الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          قال تعالى : فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله هذا تفصيل لحال النساء في هذه الحياة المنزلية التي تكون المرأة فيها تحت رياسة الرجل ، ذكر أنهن فيها قسمان : صالحات وغير صالحات ، وأن من صفة الصالحات القنوت ، وهو السكون والطاعة لله تعالى ، وكذا لأزواجهن بالمعروف وحفظ الغيب .

                          قال الثوري وقتادة : حافظات للغيب يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النفس والمال ، وروى ابن جرير والبيهقي من حديث أبي هريرة أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها وقرأ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الآية ، وقال الأستاذ الإمام : الغيب هنا هو ما يستحيا من إظهاره ، أي : حافظات لكل ما هو خاص بأمور الزوجية الخاصة بالزوجين ، فلا يطلع أحد منهن على شيء مما هو خاص بالزوج .

                          أقول : ويدخل في قوله هذا وجوب كتمان ما يكون بينهن وبين أزواجهن في الخلوة ، ولا سيما حديث الرفث ، فما بالك بحفظ العرض ، وعندي أن هذه العبارة هي أبلغ ما في القرآن من دقائق كنايات النزاهة ، تقرؤها خرائد العذارى جهرا ، ويفهمن ما تومئ إليه مما يكون سرا ، وهن على بعد من خطرات الخجل أن تمس وجدانهن الرقيق بأطراف أناملها ، فلقلوبهن الأمان من تلك الخلجات التي تدفع الدم إلى الوجنات ، ناهيك بوصل حفظ الغيب .

                          بما حفظ الله فالانتقال السريع من ذكر ذلك الغيب الخفي إلى ذكر الله الجلي ، يصرف النفس عن التمادي في التفكر فيما يكون وراء الأستار من تلك الخفايا والأسرار ، وتشغلها بمراقبته عز وجل ، وفسروا قوله تعالى : بما حفظ الله بما حفظه لهن في مهورهن وإيجاب النفقة لهن ، يريدون أنهن تحفظن حق الرجال في غيبتهم جزاء المهر ووجوب النفقة المحفوظين [ ص: 59 ] لهن في حكم الله تعالى ، وما أراك إلا ذاهبا معي إلى وهن هذا القول وهزاله ، وتكريم أولئك الصالحات بشهادة الله تعالى أن يكون حفظهن لذلك الغيب من يد تلمس ، أو عين تبصر ، أو أذن تسترق السمع ، معللا بدراهم قبضن ، ولقيمات يرتقبن ، ولعلك بعد أن تمج هذا القول يقبل ذوقك ما قبله ذوقي وهو أن الباء في قوله : بما حفظ الله هي صنو " باء " " لا حول ولا قوة إلا بالله " ، وأن المعنى حافظات للغيب بحفظ الله أي : بالحفظ الذي يؤتيهن الله إياه بصلاحهن ; فإن الصالحة يكون لها من مراقبة الله تعالى وتقواه ما يجعلها محفوظة من الخيانة ، قوية على حفظ الأمانة ، أو حافظات له بسبب أمر الله بحفظه ، فهن يطعنه ويعصين الهوى ، فعسى أن يصل معنى هذه الآية إلى نساء عصرنا اللواتي يتفكهن بإفشاء أسرار الزوجية ، ولا يحفظن الغيب فيها .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية