الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              قال الشيخ رحمه الله : فكيف ينسب إلى التصوف من إذا عورض في حقيقة معرفة الله عز وجل كل عنها وخلط فيها ، وإذا طولب بموجب الطاعة فيها جهلها وتخبط فيها ، وإذا امتحن بمحنة يجب الصبر عليها وعنها جزع وعجز .

              وسادة علماء المتصوفة تكلمت في التصوف وأجابت عن حدوده ومعانيه [ ص: 22 ] وأقسامه ومبانيه .

              فقد كتب لي جعفر بن محمد بن نصير الخواص ، قال : وحدثني عنه ازديار بن سليمان الفارسي ، قال : سمعت الجنيد بن محمد رحمة الله عليه يقول ، وسئل عن التصوف فقال : اسم جامع لعشرة معاني ؛ التقلل من كل شيء من الدنيا عن التكاثر فيها ، والثاني : اعتماد القلب على الله عز وجل من السكون إلى الأسباب ، والثالث : الرغبة في الطاعات من التطوع في وجود العوافي ، والرابع : الصبر عن فقد الدنيا عن الخروج إلى المسألة والشكوى ، والخامس : التمييز في الأخذ عند وجود الشيء ، والسادس : الشغل بالله عز وجل عن سائر الأشغال ، والسابع : الذكر الخفي عن جميع الأذكار ، والثامن : تحقيق الإخلاص في دخول الوسوسة ، والتاسع : اليقين في دخول الشك ، والعاشر : السكون إلى الله عز وجل من الاضطراب والوحشة ، فإذا استجمع هذه الخصال استحق بها الاسم ، وإلا فهو كاذب .

              حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب ، ثنا عبد الله بن محمد بن ميمون ، قال : سألت ذا النون رحمة الله عليه عن الصوفي . فقال : من إذا نطق أبان نطقه عن الحقائق ، وإن سكت نطقت عنه الجوارح بقطع العلائق .

              حدثنا أبو محمد ازديار بن سليمان ، ثنا جعفر بن محمد ، قال : قال أبو الحسن المزين : التصوف قميص قمصه الله أقواما ، فإن ألهموا عليه الشكر ، وإلا كان خصمهم في ذلك الله عز وجل .

              وسئل الخواص عن التصوف . فقال : اسم يغطى به عن الناس إلا أهل الدراية وقليل ما هم .

              سمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر الطوسي يقول : سمعت أبا بكر بن المثاقف يقول : سألت الجنيد بن محمد عن التصوف فقال : الخروج عن كل خلق دني ، والدخول في كل خلق سني .

              وسمعت أبا الفضل الطوسي يقول : سمعت أبا الحسن الفرغاني يقول : سألت أبا بكر الشبلي : ما علامة العارف ؟ فقال : صدره مشروح ، وقلبه مجروح ، وجسمه مطروح . قلت : هذا علامة العارف فمن العارف ؟ قال : العارف الذي عرف الله عز وجل ، وعرف مراد الله عز وجل ، وعمل بما أمر الله ، وأعرض عما نهى عنه الله ، ودعا عباد الله إلى الله عز وجل . فقلت : هذا العارف فمن الصوفي ؟ [ ص: 23 ] فقال : من صفا قلبه فصفى ، وسلك طريق المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ورمى الدنيا خلف القفا ، وأذاق الهوى طعم الجفا ، قلت له : هذا الصوفي ، ما التصوف ؟ قال : التألف والتطرف ، والإعراض عن التكلف . قلت له : أحسن من هذا ما التصوف ؟ قال : تسليم تصفية القلوب لعلام الغيوب . فقلت له : أحسن من هذا ما التصوف ؟ فقال : تعظيم أمر الله ، وشفقته على عباد الله . فقلت له : أحسن من هذا من الصوفي ؟ قال : من صفا من الكدر ، وخلص من العكر ، وامتلأ من الفكر ، وتساوى عنده الذهب والمدر .

              وسمعت أبا الفضل نصر بن أبي نصر يقول : سمعت علي بن محمد المصري يقول : سئل السري السقطي عن التصوف ، فقال : التصوف خلق كريم ، يخرجه الكريم إلى قوم كرام .

              سمعت أبا همام عبد الرحمن بن مجيب الصوفي وسئل عن الصوفي فقال : لنفسه ذابح ، ولهواه فاضح ، ولعدوه جارح ، وللخلق ناصح . دائم الوجل ، يحكم العمل ، ويبعد الأمل ويسد الخلل ، ويغضي على الذلل ، عذره بضاعة ، وحزنه صناعة ، وعيشه قناعة ، بالحق عارف ، وعلى الباب عاكف ، وعن الكل عازف . تربية بره ، وشجرة وده ، وراعى عهده .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية