الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح .

                                                                                                                                                                                                                                      المراد بالفتح هنا في هذه الآية عند جمهور العلماء : الحكم وذلك أن قريشا لما أرادوا الخروج إلى غزوة بدر تعلقوا بأستار الكعبة ، وزعموا أنهم قطان بيت الله الحرام ، وأنهم يسقون الحجيج ، ونحو ذلك ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم فرق الجماعة ، وقطع الرحم ، وسفه الآباء ، وعاب الدين ، ثم سألوا الله أن يحكم بينهم ، وبين النبي صلى الله عليه وسلم ، بأن يهلك الظالم منهم ، وينصر المحق ، فحكم الله بذلك وأهلكهم ، ونصره ، وأنزل الآية ، ويدل على أن المراد بالفتح هنا الحكم أنه تعالى أتبعه بما يدل على أن الخطاب لكفار مكة ، وهو قوله : وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد [ 8 \ 19 ] ، ويبين ذلك إطلاق الفتح بمعنى الحكم في القرآن في قوله عن شعيب وقومه : على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين [ 7 \ 87 ] ، أي احكم بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الحاكمين ، ويدل لذلك قوله تعالى : عن شعيب في نفس القصة وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين [ 7 \ 87 ] ، وهذه لغة حمير ؛ لأنهم يسمون القاضي فتاحا والحكومة فتاحة .

                                                                                                                                                                                                                                      ومنه قول الشاعر : [ الوافر ]

                                                                                                                                                                                                                                      ألا أبلغ بني عمرو رسولا بأني عن فتاحتكم غني

                                                                                                                                                                                                                                      أي عن حكومتكم وقضائكم ، أما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الخطاب في قوله : إن تستفتحوا للمؤمنين ، أي : تطلبوا الفتح والنصر من الله ، وأن الخطاب في قوله بعده : وإن تنتهوا فهو خير لكم للكافرين ، فهو غير ظاهر ، كما ترى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية