قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=19863_2649_29693_30495_30538_32063_32498_34092_34135_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون
"واكتب" معناه: أثبت واقض، والكتب مستعمل في ما يخلد، و"حسنة" لفظ عام في كل ما يحسن في الدنيا من عافية وغنى وطاعة لله تبارك وتعالى وغير ذلك، وحسنة الآخرة الجنة لا حسنة دونها ولا مرمى وراءها، و"هدنا" بضم الهاء معناه: تبنا، وقرأ أبو وجزة "هدنا" بكسر الهاء، ومعناه: حركنا أنفسنا وجذبناها لطاعتك، وهو مأخوذ من هاد يهيد إذا حرك.
[ ص: 59 ] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156عذابي أصيب به من أشاء الآية، قال الله عز وجل: إن الرجفة التي أنزلت بالقوم هي عذابي أصيب به من شئت، ثم أخبر عن رحمته، ويحتمل -وهو الأظهر- أن الكلام قصد به الخبر عن عذابه وعن رحمته من أول ما ابتدأ، ويندرج أمر أصحاب الرجفة في عموم قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156عذابي أصيب به من أشاء . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
وعمرو بن فائد: "من أساء" من الإساءة، أي من عمل غير صالح،
وللمعتزلة بهذه القراءة تعلق من وجهين: أحدهما إنفاذ الوعيد، والآخر
nindex.php?page=treesubj&link=28785خلق المرء أفعاله، وأن "أساء" لا فعل لله فيه، وهذان التعلقان فيهما احتمال ينفصل عنه كما ينفصل عن سائر الظواهر، إلا أن القرأة أطنبوا في التحفظ من هذه القراءة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني : لا تصح هذه القراءة عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس ،
وعمرو بن فائد رجل سوء، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11971أبو حاتم أن
nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة قرأها مرة واستحسنها فقام إليه
عبد الرحمن المقبري وصاح به وأسمعه، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان : لم أدر ولم أفطن لما يقول أهل البدع، وهذا إفراط من المقربين، وحملهم على ذلك شحهم على الدين وظنهم أن الانفصال عن تعلق
المعتزلة متعذر.
ثم وصف الله تبارك وتعالى رحمته بأنها وسعت كل شيء، فقال بعض العلماء: هو عموم في الرحمة وخصوص في قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156كل شيء ، والمراد من قد سبق في علم الله أن يرحمه دون من سواهم، وقال بعضهم: هو عموم في رحمة الدنيا لأن الكافر والمؤمن والحيوان كله متقلب في رحمة الله الدنيوية، وقالت فرقة: قوله تعالى: "ورحمتي" يراد به التوبة، وهي خاصة -على هذا- في الرحمة وفي الأشياء لأن المراد من قد تقع منه التوبة، وقال
نوف البكالي: إن إبليس لما سمع قول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ورحمتي وسعت كل شيء طمع في رحمة الله، فلما سمع
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة يئس إبليس وبقيت اليهود والنصارى، فلما تمادت الصفة تبين أن المراد أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ويئس اليهود والنصارى من الآية، وقال نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
[ ص: 60 ] وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156فسأكتبها أي أقدرها وأقضيها، وقال
نوف البكالي: إن
موسى عليه السلام قال: يا رب جعلت وفادتي لأمة
محمد صلى الله عليه وسلم، وقال
نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم، وقوله: "يتقون" -في هذه الآية- قالت فرقة: معناه: يتقون الشرك، وقالت فرقة: يتقون المعاصي.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله:
ومن قال: "الشرك لا غير" خرج إلى قول
المرجئة، ويرد عليه من الآية شرط الأعمال بقوله تبارك وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ويؤتون الزكاة ، ومن قال: "المعاصي ولا بد" خرج إلى قول
المعتزلة، والصواب بأن تكون اللفظة عامة ولكن ليس بأن نقول: "ولا بد من اتقاء المعاصي"، بل بأن نقول: "مع أن مواقع المعاصي في مشيئة الله تعالى"، ومعنى: "يتقون" يجعلون بينهم وبين المتقى وقاية وحجابا، فذكر الله تعالى الرتبة العالية ليتسابق السامعون إليها.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ويؤتون الزكاة الظاهر من قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ويؤتون أنها الزكاة المختصة بالمال، وخصها هنا بالذكر تشريفا لها، وجعلها مثالا لجميع الطاعات، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما فيما روي عنه: ويؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=19863_2649_29693_30495_30538_32063_32498_34092_34135_28978nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ
"وَاكْتُبْ" مَعْنَاهُ: أَثْبِتْ وَاقْضِ، وَالْكَتْبُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَا يَخْلُدُ، وَ"حَسَنَةً" لَفْظٌّ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَحْسُنُ فِي الدُّنْيَا مِنْ عَافِيَةٍ وَغِنًى وَطَاعَةٍ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَحَسَنَةُ الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ لَا حَسَنَةَ دُونَهَا وَلَا مَرْمَى وَرَاءَهَا، وَ"هُدْنَا" بِضَمِّ الْهَاءِ مَعْنَاهُ: تُبْنَا، وَقَرَأَ أَبُو وَجْزَةَ "هِدْنَا" بِكَسْرِ الْهَاءِ، وَمَعْنَاهُ: حَرَّكْنَا أَنْفُسَنَا وَجَذَبْنَاهَا لِطَاعَتِكَ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مَنْ هَادَ يَهِيدُ إِذَا حَرَّكَ.
[ ص: 59 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ الْآيَةُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الرَّجْفَةَ الَّتِي أُنْزِلَتْ بِالْقَوْمِ هِيَ عَذَابِي أُصِيبَ بِهِ مَنْ شِئْتُ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ رَحْمَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ -وَهُوَ الْأَظْهَرُ- أَنَّ الْكَلَامَ قُصِدَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ عَذَابِهِ وَعَنْ رَحْمَتِهِ مِنْ أَوَّلِ مَا ابْتَدَأَ، وَيَنْدَرِجُ أَمْرُ أَصْحَابِ الرَّجْفَةِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسُ ،
وَعَمْرُو بْنُ فَائِدٍ: "مَنْ أَسَاءَ" مِنَ الْإِسَاءَةِ، أَيْ مَنْ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ،
وَلِلْمُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ تَعَلُّقٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا إِنْفَاذُ الْوَعِيدِ، وَالْآخَرُ
nindex.php?page=treesubj&link=28785خَلْقُ الْمَرْءِ أَفْعَالَهُ، وَأَنَّ "أَسَاءَ" لَا فِعْلَ لِلَّهِ فِيهِ، وَهَذَانَ التَّعَلُّقَانِ فِيهِمَا احْتِمَالٌ يَنْفَصِلُ عَنْهُ كَمَا يَنْفَصِلُ عَنْ سَائِرِ الظَّوَاهِرِ، إِلَّا أَنَّ الْقَرَأَةَ أَطْنَبُوا فِي التَّحَفُّظِ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أَبُو عَمْرٍو الدَّانِي : لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16248وَطَاوُسٍ ،
وَعَمْرُو بْنُ فَائِدٍ رَجُلُ سُوءٍ، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=11971أَبُو حَاتِمٍ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=16008سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَرَأَهَا مَرَّةً وَاسْتَحْسَنَهَا فَقَامَ إِلَيْهِ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمُقْبِرِيُّ وَصَاحَ بِهِ وَأَسْمَعَهُ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ : لَمْ أَدْرِ وَلَمْ أَفْطِنْ لِمَا يَقُولُ أَهْلُ الْبِدَعِ، وَهَذَا إِفْرَاطٌ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَحَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ شُحُّهُمْ عَلَى الدِّينِ وَظَنُّهُمْ أَنَّ الِانْفِصَالَ عَنْ تَعَلُّقِ
الْمُعْتَزِلَةِ مُتَعَذِّرٌ.
ثُمَّ وَصَفَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَحْمَتَهُ بِأَنَّهَا وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هُوَ عُمُومٌ فِي الرَّحْمَةِ وَخُصُوصٌ فِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156كُلَّ شَيْءٍ ، وَالْمُرَادُ مَنْ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يَرْحَمَهُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عُمُومٌ فِي رَحْمَةِ الدُّنْيَا لِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْمُؤْمِنَ وَالْحَيَوَانَ كُلُّهُ مُتَقَلِّبٌ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: قَوْلُهُ تَعَالَى: "وَرَحْمَتِي" يُرَادُ بِهِ التَّوْبَةُ، وَهِيَ خَاصَّةٌ -عَلَى هَذَا- فِي الرَّحْمَةِ وَفِي الْأَشْيَاءِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ قَدْ تَقَعُ مِنْهُ التَّوْبَةُ، وَقَالَ
نَوْفُ الْبَكَالِيُّ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ طَمِعَ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ، فَلَمَّا سَمِعَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ يَئِسَ إِبْلِيسُ وَبَقِيَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَلَمَّا تَمَادَتِ الصِّفَةُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ أُمَّةُ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَئِسَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنَ الْآيَةِ، وَقَالَ نَحْوَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ .
[ ص: 60 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156فَسَأَكْتُبُهَا أَيْ أُقَدِّرُهَا وَأَقْضِيهَا، وَقَالَ
نَوْفُ الْبَكَالِيُّ: إِنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: يَا رَبِّ جَعَلْتُ وِفَادَتِي لِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ
نَوْفُ الْبَكَالِيُّ: فَاحْمَدُوا اللَّهَ الَّذِي جَعَلَ وِفَادَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَكُمْ، وَقَوْلُهُ: "يَتَّقُونَ" -فِي هَذِهِ الْآيَةِ- قَالَتْ فِرْقَةٌ: مَعْنَاهُ: يَتَّقُونَ الشِّرْكَ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: يَتَّقُونَ الْمَعَاصِيَ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَمَنْ قَالَ: "الشِّرْكُ لَا غَيْرُ" خَرَجَ إِلَى قَوْلِ
الْمُرْجِئَةِ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مِنَ الْآيَةِ شَرْطُ الْأَعْمَالِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ، وَمَنْ قَالَ: "الْمَعَاصِي وَلَا بُدَّ" خَرَجَ إِلَى قَوْلِ
الْمُعْتَزِلَةِ، وَالصَّوَابُ بِأَنْ تَكُونَ اللَّفْظَةُ عَامَّةً وَلَكِنْ لَيْسَ بِأَنْ نَقُولَ: "وَلَا بُدَّ مِنِ اتِّقَاءِ الْمَعَاصِي"، بَلْ بِأَنْ نَقُولَ: "مَعَ أَنَّ مَوَاقِعَ الْمَعَاصِي فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى"، وَمَعْنَى: "يَتَّقُونَ" يَجْعَلُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُتَّقَى وِقَايَةً وَحِجَابًا، فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّتْبَةَ الْعَالِيَةَ لِيَتَسَابَقَ السَّامِعُونَ إِلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَيُؤْتُونَ أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْمَالِ، وَخَصَّهَا هُنَا بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهَا، وَجَعْلَهَا مِثَالًا لِجَمِيعِ الطَّاعَاتِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: وَيُؤْتُونَ الْأَعْمَالَ الَّتِي يُزَكُّونَ بِهَا أَنْفُسَهُمْ.