الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
روى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=979644خذوا القرآن من أربعة : من nindex.php?page=treesubj&link=31691عبد الله بن مسعود nindex.php?page=treesubj&link=31629وسالم nindex.php?page=treesubj&link=34061ومعاذ nindex.php?page=treesubj&link=31476وأبي بن كعب أي : تعلموا منهم .
والأربعة المذكورون : اثنان من المهاجرين ، وهما المبتدأ بهما ، واثنان من الأنصار .
nindex.php?page=showalam&ids=267وسالم : هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ : هو ابن جبل .
قال الكرماني : يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد الإعلام بما يكون بعده ، أي أن هؤلاء الأربعة يبقون حتى ينفردوا بذلك .
وتعقب بأنهم لم ينفردوا ، بل الذين مهروا في تجويد القرآن بعد العصر النبوي أضعاف المذكورين ، وقد قتل nindex.php?page=showalam&ids=267nindex.php?page=treesubj&link=31629_34064سالم مولى أبي حذيفة في وقعة اليمامة ، nindex.php?page=treesubj&link=31716_34064ومات معاذ في خلافة عمر ، ومات nindex.php?page=treesubj&link=34064أبي nindex.php?page=treesubj&link=34064وابن مسعود في خلافة عثمان ، وقد تأخر nindex.php?page=treesubj&link=34064_31615زيد بن ثابت ، وانتهت إليه الرياسة في القراءة ، وعاش بعدهم زمنا طويلا .
فالظاهر أنه أمر بالأخذ عنهم في الوقت الذي صدر فيه ذلك القول ، ولا يلزم من ذلك أن لا يكون أحد في ذلك الوقت شاركهم في حفظ القرآن ، بل كان الذين يحفظون مثل الذي حفظوه وأزيد جماعة من الصحابة .
وفي الصحيح في غزوة بئر معونة : أن الذين قتلوا بها من الصحابة كان يقال لهم القراء ، وكانوا سبعين رجلا .
[ ص: 246 ] روى nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - أيضا - عن قتادة ، قال : سألت nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك : من جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟
فقال : أربعة كلهم من الأنصار : nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل ، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .
قلت : من أبو زيد ؟ .
قال : أحد عمومتي .
وروى أيضا من طريق ثابت ، عن أنس قال : nindex.php?page=treesubj&link=31130مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يجمع القرآن غير أربعة : nindex.php?page=showalam&ids=4nindex.php?page=treesubj&link=31481_31130أبو الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذ بن جبل nindex.php?page=showalam&ids=47، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد .
وفيه مخالفة لحديث قتادة من وجهين :
أحدهما : التصريح بصيغة الحصر في الأربعة .
والآخر : ذكر nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء بدل nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب ، وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة .
وقال المازري : لا يلزم من قول أنس : ( لم يجمعه غيرهم ) أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك; لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه ، وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة ، وتفرقهم في البلاد ؟ وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده ، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، هذا في غاية البعد في العادة ، وإذا كان المرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك .
قال : وقد تمسك بقول أنس هذا جماعة من الملاحدة ، ولا متمسك لهم فيه ، فإنا لا نسلم حمله على ظاهره ، سلمناه ، ولكن من أين لهم أن الواقع في نفس الأمر كذلك ! سلمناه ، لكن لا يلزم من كون كل من الجم الغفير لم يحفظه كله ألا يكون حفظ مجموعه الجم الغفير ، وليس من شرط التواتر أن يحفظ كل فرد جميعه ، بل إذا حفظ الكل ولو على التوزيع كفى .
وقال القرطبي : قد قتل يوم اليمامة سبعون من القراء ، وقتل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ببئر معونة مثل هذا العدد .
[ ص: 247 ] قال : وإنما خص أنس الأربعة بالذكر لشدة تعلقه بهم دون غيرهم ، أو لكونهم كانوا في ذهنه دون غيرهم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12604القاضي أبو بكر الباقلاني : الجواب عن حديث أنس من أوجه :
أحدها : أنه لا مفهوم له ، فلا يلزم أن لا يكون غيرهم جمعه .
الثاني : المراد لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بها إلا أولئك .
الثالث : لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته وما لم ينسخ إلا أولئك .
الرابع : أن المراد بجمعه تلقيه من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا بواسطة ، بخلاف غيرهم ، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة .
الخامس : أنهم تصدوا لإلقائه وتعليمه ، فاشتهروا به ، وخفي حال غيرهم عمن عرف حالهم ، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه ، وليس الأمر في نفس الأمر كذلك .
السادس : المراد بالجمع الكتابة فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظا ، عن ظهر قلبه . وأما هؤلاء فجمعوه كتابة ، وحفظوه عن ظهر قلب .
السابع : المراد أن أحدا لم يفصح بأنه جمعه ، بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أولئك ، بخلاف غيرهم ، فلم يفصح بذلك ; لأن أحدا منهم لم يكمله إلا عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت آخر آية ، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة ممن جمع جميع القرآن قبلها ، وإن كان قد حضرها من لم يجمع غيرها الجمع الكثير .
الثامن : أن المراد بجمعه السمع والطاعة له والعمل بموجبه .
وقد أخرج أحمد في " الزهد " من طريق أبي الزاهرية ، أن رجلا أتى nindex.php?page=showalam&ids=4أبا الدرداء فقال : إن ابني جمع القرآن ، فقال : اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع .
قال ابن حجر : وفي غالب هذه الاحتمالات تكلف ، ولا سيما الأخير . قال : وقد ظهر لي احتمال آخر ، وهو أن المراد إثبات ذلك للخزرج دون الأوس فقط ، فلا ينفي ذلك ، عن غير القبيلتين من المهاجرين ، لأنه قال ذلك في معرض المفاخرة بين الأوس والخزرج ، كما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12514سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس قال : nindex.php?page=treesubj&link=30676افتخر الحيان : الأوس والخزرج ، فقال الأوس : منا أربعة : من اهتز له العرش nindex.php?page=showalam&ids=307nindex.php?page=treesubj&link=31639سعد بن معاذ ، ومن عدلت شهادته شهادة رجلين nindex.php?page=showalam&ids=2546nindex.php?page=treesubj&link=31599خزيمة بن ثابت ، ومن غسلته الملائكة nindex.php?page=treesubj&link=34060حنظلة بن أبي عامر ، ومن حمته الدبر عاصم بن أبي ثابت .
[ ص: 248 ] فقال الخزرج : منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه غيرهم . . . . . ، فذكرهم .
قال : والذي يظهر من كثير من الأحاديث أن أبا بكر كان يحفظ القرآن في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففي الصحيح : أنه بنى مسجدا بفناء داره ، فكان يقرأ فيه القرآن .
وهو محمول على ما كان نزل منه إذ ذاك .
قال : وهذا مما لا يرتاب فيه مع شدة nindex.php?page=treesubj&link=31158_31136حرص أبي بكر على تلقي القرآن من النبي - صلى الله عليه وسلم - وفراغ باله له وهما بمكة ، وكثرة ملازمة كل منهما للآخر ، حتى قالت عائشة : إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتيهم بكرة وعشيا . وقد صح حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=979645يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله وقد قدمه - صلى الله عليه وسلم - في مرضه إماما للمهاجرين والأنصار ، فدل على أنه كان أقرأهم . انتهى .
وسبقه إلى نحو : ذلك ابن كثير .
قلت : لكن أخرج ابن أشتة في المصاحف بسند صحيح : عن nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد ابن سيرين ، قال : مات أبو بكر ولم يجمع القرآن ، وقتل عمر ولم يجمع القرآن .
قال ابن أشتة : قال بعضهم : يعني لم يقرأ جميع القرآن حفظا .
وقال بعضهم : هو جمع المصاحف .
قال ابن حجر : وقد ورد ، nindex.php?page=treesubj&link=31293عن علي أنه جمع القرآن على ترتيب النزول عقب موت النبي - صلى الله عليه وسلم - .
أخرجه ابن أبي داود .
[ ص: 249 ] وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي بسند صحيح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=979646جمعت القرآن فقرأت به كل ليلة فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اقرأه في شهر . . . . الحديث .
وأخرج ابن أبي داود بسند حسن : عن nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة من الأنصار : nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، nindex.php?page=showalam&ids=63nindex.php?page=treesubj&link=31653وعبادة بن الصامت ، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=50وأبو أيوب الأنصاري .
وأخرج البيهقي في المدخل ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين ، قال : جمع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعة ، لا يختلف فيهم : nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ، nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب ، وزيد ، وأبو زيد ، واختلفوا في رجلين من ثلاثة : nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء وعثمان .
وقيل : عثمان nindex.php?page=showalam&ids=155nindex.php?page=treesubj&link=31555وتميم الداري .
وأخرج هو وابن أبي داود ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ، قال : جمع القرآن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة : أبي وزيد ومعاذ وأبو الدرداء وسعيد بن عبيد وأبو زيد ، ومجمع بن جارية ، وقد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة .
وقد ذكر أبو عبيد في كتاب القراءات : nindex.php?page=treesubj&link=28948القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعد من المهاجرين : الخلفاء الأربعة ، وطلحة وسعدا ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وحذيفة وسالما nindex.php?page=showalam&ids=3وأبا هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=4814وعبد الله بن السائب ، والعبادلة وعائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة nindex.php?page=showalam&ids=54وأم سلمة .
ومن الأنصار : nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت ومعاذا الذي يكنى أبا حليمة ، ومجمع بن جارية nindex.php?page=showalam&ids=16789وفضالة بن عبيد ، nindex.php?page=showalam&ids=209ومسلمة بن مخلد .
وصرح بأن بعضهم إنما أكمله بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يرد على الحصر المذكور في حديث أنس ، وعد ابن أبي داود منهم nindex.php?page=showalam&ids=155تميما الداري nindex.php?page=showalam&ids=27وعقبة بن عامر .
وممن جمعه - أيضا - nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري ، ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني .
تنبيه : أبو زيد المذكور في حديث أنس ، اختلف في اسمه ، فقيل : سعد بن عبيد بن النعمان ، أحد بني عمرو بن عوف ، ورد بأنه أوسي وأنس خزرجي . وقد قال : إنه أحد عمومته [ ص: 250 ] وبأن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عده هو وأبو زيد جميعا فيمن جمع القرآن كما تقدم ، فدل على أنه غيره .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14785أبو أحمد العسكري : لم يجمع القرآن من الأوس غير nindex.php?page=showalam&ids=15979سعد بن عبيد . وقال ابن حبيب في المحبر : nindex.php?page=showalam&ids=15979سعد بن عبيد أحد من جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقال ابن حجر : قد ذكر ابن أبي داود فيمن جمع القرآن قيس بن أبي صعصعة ، وهو خزرجي يكنى أبا زيد فلعله هو . وذكر أيضا سعيد بن المنذر بن أوس بن زهير ، وهو خزرجي ، لكن لم أر التصريح بأنه يكنى أبا زيد .
قال : ثم وجدت عن ابن أبي داود ما رفع الإشكال ، فإنه روى بإسناد على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إلى ثمامة ، عن أنس : أن أبا زيد الذي جمع القرآن اسمه قيس بن السكن . قال : وكان رجلا منا من بني عدي بن النجار أحد عمومتي ، ومات ولم يدع عقبا ، ونحن ورثناه .
قال ابن أبي داود : حدثنا أنس بن خالد الأنصاري قال : هو قيس بن السكن بن زعوراء من بني عدي بن النجار . قال ابن أبي داود : مات قريبا من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب علمه ، ولم يؤخذ عنه وكان عقبيا بدريا . ومن الأقوال في اسمه : ثابت وأوس ومعاذ .
فائدة : ظفرت nindex.php?page=treesubj&link=31130بامرأة من الصحابيات جمعت القرآن ، لم يعدها أحد ممن تكلم في ذلك فأخرج ابن سعد في الطبقات : أنبأنا nindex.php?page=showalam&ids=12180الفضل بن دكين ، حدثنا الوليد بن عبد الله بن جميع ، قال : حدثتني جدتي ، nindex.php?page=hadith&LINKID=979647عن أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزورها ويسميها الشهيدة ، وكانت قد جمعت القرآن - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين غزا بدرا قالت له : nindex.php?page=treesubj&link=8052أتأذن لي فأخرج معك وأداوي جرحاكم وأمرض مرضاكم لعل الله يهدي لي شهادة ؟
قال : إن الله مهد لك شهادة وكان - صلى الله عليه وسلم - قد أمرها أن تؤم أهل دارها ، وكان لها مؤذن ، فغمها غلام لها وجارية كانت دبرتهما فقتلاها في إمارة عمر ، فقال عمر : صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول : انطلقوا بنا نزور الشهيدة .