الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          قال تعالى : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ، دل الوعيد في الآية السابقة مع الاستثناء في هذه الآية على أن أولئك الذين اعتذروا عن عدم إقامة دينهم وعدم الفرار به هجرة إلى الله ورسوله غير صادقين في اعتذارهم ، فإن الاستضعاف الحقيقي عذر صحيح ولذلك استثني أهله من الوعيد بهذه الآية ، وقرن الرجال بالنساء والولدان فيها يشعر بأن المراد بالرجال الشيوخ الضعفاء والعجزة الذين هم كمن ذكر معهم لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، أي قد ضاقت بهم الحيل كلها فلم يستطيعوا ركوب واحدة منها ، وعميت عليهم الطريق جميعها فلم يهتدوا طريقا منها ، إما للزمانة والمرض ، وإما للفقر والجهل بمسالك الأرض وأخراتها ومضايقها ، قال بعض المفسرين : بحيث لو خرجوا هلكوا ، أي : بركوب التعاسيف أو قلة الزاد أو عدم الراحلة ، وفسر بعضهم الولدان هنا بالعبيد والإماء .

                          وقال بعضهم : بل هم الأولاد الصغار الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض ، وروي عن ابن عباس أنه قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون إلى الهجرة سبيلا ، واستشكل بأن الأولاد غير مكلفين فلا يتناولهم الوعيد فيحتاج إلى استثنائهم ، وأجاب في الكشاف بأنه يجوز أن يكون المراد المراهقين منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم في التكليف ، أقول : ويجوز أن يكونوا قد ذكروا تبعا لوالديهم ; لأنهم [ ص: 292 ] يكلفون أن يهاجروا بهم ، فإذا كان الولدان عاجزين عن السير مع الوالدين ، والوالدان عاجزين عن حملهم ، كان من عذرهما أن يتركا الهجرة ما داما عاجزين ولا يكلفان ترك أولادهم .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية