الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3564 حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا حماد حدثنا هشام عن أبيه قال كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت عائشة فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان أو حيث ما دار قالت فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم قالت فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثامن حديثها في أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، وفيه : والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها وقد تقدم الكلام عليه مستوفى في كتاب الهبة ، وقوله في أوله : " حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب " كذا للأكثر ، ووقع في رواية القابسي وعبدوس عن أبي زيد المروزي " عبيد الله " بالتصغير والصواب بالتكبير ، وقوله في هذه الرواية : فقال : يا أم سلمة ، لا تؤذيني في عائشة ، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها وقع في الهبة فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة . فقلت : أتوب إلى الله تعالى وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة ، وقد استدل به على فضل عائشة على خديجة ، وليس ذلك بلازم لأمرين :

                                                                                                                                                                                                        أحدهما : احتمال أن لا يكون أراد إدخال خديجة في هذا ، وأن المراد بقوله : " منكن " المخاطبة وهي أم سلمة ومن أرسلها أو من كان موجودا حينئذ من النساء .

                                                                                                                                                                                                        والثاني : على تقدير إرادة الدخول فلا يلزم من ثبوت خصوصية شيء من الفضائل ثبوت الفضل المطلق كحديث أقرؤكم أبي وأفرضكم زيد ونحو ذلك ، ومما يسأل عنه الحكمة في اختصاص عائشة بذلك ، فقيل : لمكان أبيها ، وأنه لم يكن يفارق النبي - صلى الله عليه وسلم - في أغلب أحواله ، فسرى سره لابنته مع ما كان لها من مزيد حبه صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                        وقيل : إنها كانت تبالغ في تنظيف ثيابها التي تنام فيها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والعلم عند الله تعالى ، وسيأتي مزيد لها في ترجمة خديجة إن شاء الله تعالى ، قال السبكي الكبير : الذي ندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة ، والخلاف شهير ولكن الحق أحق أن يتبع . وقال ابن تيمية : جهات الفضل بين خديجة وعائشة متقاربة . وكأنه رأى التوقف . وقال ابن القيم : إن أريد بالتفضيل كثرة الثواب عند الله فذاك أمر لا يطلع عليه ، فإن عمل القلوب أفضل من عمل الجوارح ، وإن أريد كثرة العلم فعائشة لا محالة ، وإن أريد شرف الأصل ففاطمة لا محالة ، وهي فضيلة لا يشاركها فيها غير أخواتها ، وإن أريد شرف السيادة فقد ثبت النص لفاطمة وحدها . قلت : امتازت فاطمة عن أخواتها بأنهن متن في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم ، وأما ما امتازت به عائشة من فضل العلم فإن لخديجة ما يقابله وهي أنها أول من أجاب إلى الإسلام ودعا إليه وأعان على ثبوته بالنفس والمال والتوجه التام ; فلها مثل أجر من جاء بعدها ، ولا يقدر قدر ذلك إلا الله . وقيل : انعقد الإجماع على أفضلية فاطمة ، وبقي الخلاف بين عائشة وخديجة .

                                                                                                                                                                                                        ( فرع ) :

                                                                                                                                                                                                        ذكر الرافعي أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أفضل نساء هذه الأمة ، فإن استثنيت فاطمة لكونها بضعة فأخواتها شاركنها . وقد أخرج الطحاوي والحاكم بسند جيد عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حق زينب ابنته لما أوذيت عند خروجها من مكة هي أفضل بناتي ، أصيبت في وقد وقع في حديث خطبة عثمان حفصة زيادة في مسند أبي يعلى " تزوج عثمان خيرا من حفصة ، وتزوج حفصة خير من عثمان " والجواب عن قصة زينب تقدم ، ويحتمل أن يقدر " من " وأن يقال : كان ذلك قبل أن يحصل لفاطمة جهة التفضيل التي امتازت بها عن غيرها من أخواتها كما تقدم ، قال ابن التين : فيه أن الزوج لا يلزمه التسوية في النفقة بل يفضل من شاء بعد أن يقوم للأخرى بما يلزمه لها ، قال : ويمكن أن لا يكون فيها دليل لاحتمال أن يكون من خصائصه ، كما قيل : إن القسم لم يكن واجبا عليه وإنما كان يتبرع به .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية