الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3643 حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم قال بينا النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله الآية تابعه ابن إسحاق حدثني يحيى بن عروة عن عروة قلت لعبد الله بن عمرو وقال عبدة عن هشام عن أبيه قيل لعمرو بن العاص وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة حدثني عمرو بن العاص

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وأبيه عمرو بن العاص على الاختلاف في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        . قوله : ( حدثنا عياش بن الوليد حدثنا الوليد بن مسلم ) عياش شيخه بالتحتانية والمعجمة هو الرقام ، وله شيخ آخر لا ينسبه في غالب ما يخرج عنه ، قال الجياني : وقع هنا عند الأصيلي غير مقيد ، وزعم بعضهم أنه العباس بن الوليد بن مربد وهو بالموحدة والمهملة ، ثم نقل عن أبي زفر [1] أن البخاري ومسلما ما أخرجا لابن مربد شيئا ، قال : ولا أعلم له رواية عن الوليد بن مسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم ) في رواية علي ابن المديني الآتية في تفسير غافر " حدثني محمد بن إبراهيم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني عروة ) كذا قال الوليد بن مسلم ، وخالفه أيوب بن خالد الحراني فقال : " عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة قال : قلت لعبد الله بن عمرو " أخرجه الإسماعيلي ، وقول الوليد أرجح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سألت ابن عمرو ) في رواية علي المذكورة " قلت لعبد الله بن عمرو " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بأشد شيء صنعه إلخ ) هذا الذي أجاب به عبد الله بن عمرو ويخالف ما تقدم في " ذكر الملائكة " من حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " وكان أشد ما لقيت من قومك " فذكر قصته بالطائف مع ثقيف . والجمع بينهما أن عبد الله بن عمرو استند إلى ما رواه ، ولم يكن حاضرا للقصة التي وقعت بالطائف . وقد [ ص: 206 ] روى الزبير بن بكار والدارقطني في " الأفراد " من طريق عبد الله بن عروة عن عروة " حدثني عمرو بن عثمان عن أبيه عثمان قال : أكثر ما نالت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته يوما ، قال : وذرفت عينا عثمان فذكر قصة يخالف سياقها حديث عبد الله بن عمرو هذا ، فهذا الاختلاف ثابت على عروة في السند ، لكن سنده ضعيف ، فإن كان محفوظا حمل على التعدد ، وليس ببعيد لما سأبينه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه في عنقه فخنقه ) في حديث عثمان المذكور كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالبيت ويده في يد أبي بكر ، وفي الحجر عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وأمية بن خلف فمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسمعوه بعض ما يكره ثلاث مرات ، فلما كان في الشوط الرابع ناهضوه ، وأراد أبو جهل أن يأخذ بمجامع ثوبه فدفعته ، ودفع أبو بكر أمية بن خلف ، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقبة فهذا السياق مغاير لحديث عبد الله بن عمرو ، وفي حديث عبد الله قول أبي بكر : " أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ " وفي حديث عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : أما والله لا تنتهون حتى يحل بكم العقاب عاجلا ، فأخذتهم الرعدة الحديث ، وهذا يقوي التعدد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه ابن إسحاق ) قال : ( حدثني يحيى بن عروة إلخ ) وصله أحمد من طريق إبراهيم بن سعد والبزار من طريق بكر بن سليمان كلاهما عن ابن إسحاق بهذا السند ، وفي أول سياقه من الزيادة قال : حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم في الحجر فذكروا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : ما رأينا مثل صبرنا عليه ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وغير ديننا ، وفرق جماعتنا . فبينما هم في ذلك إذ أقبل ، فاستلم الركن ، فلما مر بهم غمزوه ، وذكر أنه قال لهم في الثالثة : لقد جئتكم بالذبح . وأنهم قالوا له : " يا أبا القاسم ما كنت جاهلا ، فانصرف راشدا ، فانصرف . فلما كان من الغد اجتمعوا فقالوا : ذكرتم ما بلغ منكم حتى إذا أتاكم بما تكرهون تركتموه ، فبينما هم كذلك إذ طلع فقالوا : قوموا إليه وثبة رجل واحد ، قال : فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجامع ثيابه ، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي فقال : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عبدة عن هشام ) أي ابن عروة ( عن أبيه قيل لعمرو بن العاص ) هكذا خالف هشام بن عروة أخاه يحيى بن عروة في الصحابي ، فقال يحيى : " عبد الله بن عمرو " وقال هشام : " عمرو بن العاص " ويرجح رواية يحيى موافقة محمد بن إبراهيم التيمي عن عروة ، على أن قول هشام غير مدفوع ، لأن له أصلا من حديث عمرو بن العاص ، بدليل رواية أبي سلمة عن عمرو الآتية عقب هذا ، فيحتمل أن يكون عروة سأله مرة وسأل أباه أخرى ، ويؤيده اختلاف السياقين ، وقد ذكرت أن عبد الله بن عروة رواه عن أبيه بإسناد آخر عن عثمان فلا مانع من التعدد ، نعم لم تتفق الرواة عن هشام على قوله " عمرو بن العاص " فإن سليمان بن بلال وافق عبدة على ذلك ، وخالفهما محمد بن فليح فقال : " عن هشام عن أبيه عن عبد الله بن عمرو " ذكره البيهقي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال محمد بن عمرو عن أبي سلمة : حدثني عمرو بن العاص ) وصله البخاري في " خلق أفعال العباد " من طريقه ، وأخرجه أبو يعلى وابن حبان عنه من وجه آخر عن محمد بن عمرو ولفظه : ما رأيت قريشا أرادوا قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا يوما أغروا به وهم في ظل الكعبة جلوس وهو يصلي عند المقام ، فقام إليه عقبة فجعل رداءه في عنقه ثم جذبه لركبتيه وتصايح الناس ، وأقبل أبو بكر يشتد حتى أخذ بضبع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ورائه وهو يقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه ، فلما قضى [ ص: 207 ] صلاته مر بهم فقال : والذي نفسي بيده ما أرسلت إليكم إلا بالذبح . فقال له أبو جهل : يا محمد ما كنت جهولا . فقال : أنت منهم . ويدل على التعدد أيضا ما أخرجه البيهقي في " الدلائل " من حديث ابن عباس عن فاطمة عليها السلام قالت : اجتمع المشركون في الحجر فقالوا : إذا مر محمد ضربه كل رجل منا ضربة ، فسمعت ذلك فأخبرته فقال : اسكتي يا بنية . ثم خرج فدخل عليهم ، فرفعوا رءوسهم ثم نكسوا ، قالت فأخذ قبضة من تراب فرمى بها نحوهم ثم قال : شاهت الوجوه ، فما أصاب رجلا منهم إلا قتل يوم بدر كافرا وقد أخرج أبو يعلى والبزار بإسناد صحيح عن أنس قال : لقد ضربوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرة حتى غشي عليه ، فقام أبو بكر فجعل ينادي : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فتركوه وأقبلوا على أبي بكر وهذا من مراسيل الصحابة .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرجه أبو يعلى بإسناد حسن مطولا من حديث أسماء بنت أبي بكر أنهم " قالوا لها : ما أشد ما رأيت المشركين بلغوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " ؟ فذكر نحو سياق ابن إسحاق المتقدم قريبا وفيه " فأتى الصريخ إلى أبي بكر فقال : أدرك صاحبك . فخرج من عندنا وله غدائر أربع وهو يقول : ويلكم ، أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ فلهوا عنه ، وأقبلوا إلى أبي بكر ، فرجع إلينا أبو بكر فجعل لا يمس شيئا من غدائره إلا رجع معه " . ولقصة أبي بكر هذه شاهد من حديث علي أخرجه البزار من رواية محمد بن علي عن أبيه أنه خطب فقال " من أشجع الناس ؟ فقالوا : أنت . قال : أما إني ما بارزني أحد إلا أنصفت منه ، ولكنهأبو بكر ، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذته قريش فهذا يجؤه وهذا يتلقاه ويقولون له : أنت تجعل الآلهة إلها واحدا . فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ويقول : ويلكم أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ثم بكى علي ثم قال : أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر ؟ فسكت القوم ، فقال علي : والله لساعة من أبي بكر خير منه ، ذاك رجل يكتم إيمانه ، وهذا يعلن بإيمانه " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية