الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2372 وحدثني محمد بن رافع وعبد بن حميد قال عبد أخبرنا وقال ابن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلما جاءه صكه ففقأ عينه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت قال فرد الله إليه عينه وقال ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال أي رب ثم مه قال ثم الموت قال فالآن فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن أبي هريرة قال : أرسل ملك الموت إلى موسى ، فلما جاءه صكه ففقأ عينه ، فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت . قال : فرد الله إليه عينه ، وقال : ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور ، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة . قال : أي رب ، ثم مه ؟ قال : ثم الموت . قال : فالآن ، فسأل الله تعالى أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر ) وفي الرواية الأخرى ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جاء ملك الموت إلى موسى فقال : أجب ربك ، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ) وذكر نحو ما سبق .

                                                                                                                [ ص: 513 ] أما قوله : ( صكه ) فهو بمعنى ( لطمه ) في الرواية الثانية . وفقأ عينه بالهمز . ومتن الثور ظهره . ورمية حجر أي قدر ما يبلغه .

                                                                                                                وقوله : ( ثم مه ) هي هاء السكت ، وهو استفهام ، أي ثم ماذا يكون أحياة أم موت ؟ والكثيب : الرمل المستطيل المحدودب . وأما سؤاله الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها وفضيلة من فيها من المدفونين من الأنبياء وغيرهم .

                                                                                                                قال بعض العلماء : وإنما سأل الإدناء ، ولم يسأل نفس بيت المقدس ، لأنه خاف أن يكون قبره مشهورا عندهم فيفتتن به الناس وفي هذا استحباب الدفن في المواضع الفاضلة والمواطن المباركة ، والقرب من مدافن الصالحين . والله أعلم .

                                                                                                                قال المازري : وقد أنكر بعض الملاحدة هذا الحديث ، وأنكر تصوره ، قالوا : [ ص: 514 ] كيف يجوز على موسى فقء عين ملك الموت ؟ قال : وأجاب العلماء عن هذا بأجوبة : أحدها أنه لا يمتنع أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم قد أذن الله تعالى له في هذه اللطمة ، ويكون ذلك امتحانا للملطوم ، والله سبحانه وتعالى يفعل في خلقه ما شاء ، ويمتحنهم بما أراد .

                                                                                                                والثاني أن هذا على المجاز ، والمراد أن موسى ناظره وحاجه فغلبه بالحجة ، ويقال : فقأ فلان عين فلان إذا غالبه بالحجة ، ويقال : عورت الشيء إذا أدخلت فيه نقصا قال : وفي هذا ضعف لقوله صلى الله عليه وسلم : " فرد الله عينه " فإن قيل : أراد رد حجته كان بعيدا . والثالث أن موسى صلى الله عليه وسلم لم يعلم أنه ملك من عند الله ، وظن أنه رجل قصده يريد نفسه ، فدافعه عنها ، فأدت المدافعة إلى فقء عينه ، لا أنه قصدها بالفقء ، وتؤيده رواية ( صكه ) ، وهذا جواب الإمام أبي بكر بن خزيمة وغيره من المتقدمين ، واختاره المازري والقاضي عياض ، قالوا : وليس في الحديث تصريح بأنه تعمد فقء عينه ، فإن قيل : فقد اعترف موسى حين جاءه ثانيا بأنه ملك الموت ، فالجواب أنه أتاه في المرة الثانية بعلامة علم بها أنه ملك الموت ، فاستسلم بخلاف المرة الأولى . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية