الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2257 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حفص وأبو معاوية وحدثنا أبو كريب حدثنا أبو معاوية كلاهما عن الأعمش ح وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يمتلئ جوف الرجل قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا قال أبو بكر إلا أن حفصا لم يقل يريه [ ص: 415 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 415 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا ) وفي رواية : ( بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خذوا الشيطان ، أو أمسكوا الشيطان ، لأن يمتلئ جوف رجل قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا ) .

                                                                                                                قال أهل اللغة والغريب : ( يريه ) بفتح الياء وكسر الراء من الوري ، وهو داء يفسد الجوف ، ومعناه قيحا يأكل جوفه ويفسده . قال أبو عبيد : قال بعضهم : المراد بهذا الشعر شعر هجي به النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو عبيد والعلماء كافة : هذا تفسير فاسد ؛ لأنه يقتضي أن المذموم من الهجاء أن يمتلئ منه دون قليله ، وقد أجمع المسلمون على أن الكلمة الواحدة من هجاء النبي صلى الله عليه وسلم موجبة للكفر . قالوا : بل الصواب أن المراد أن يكون الشعر غالبا عليه ، مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى ، وهذا مذموم من أي شعر كان .

                                                                                                                فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضر حفظ [ ص: 416 ] اليسير من الشعر مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا . شعرا . والله أعلم .

                                                                                                                واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره ، وإن كان لا فحش فيه ، وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم : " خذوا الشيطان " وقال العلماء كافة : هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه . قالوا : وهو كلام ، حسنه حسن ، وقبيحه قبيح . وهذا هو الصواب ؛ فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم الشعر ، واستنشده ، وأمر به حسان في هجاء المشركين ، وأنشده أصحابه بحضرته في الأسفار وغيرها ، وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف ، ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه ، وإنما أنكروا المذموم منه ، وهو الفحش ونحوه .

                                                                                                                وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا ، أو كان الشعر هو الغالب عليه ، أو كان شعره هذا من المذموم ، وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو في قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها ، ولا عموم لها ، فلا يحتج بها والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية