الباب الثالث
فيما يجب على المحارب
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=9839_9842_9843_9844ما يجب على المحارب ، فاتفقوا على أنه يجب عليه حق لله وحق للآدميين واتفقوا على أن حق الله هو القتل والصلب وقطع الأيدي وقطع الأرجل من خلاف ، والنفي على ما نص الله تعالى في آية الحرابة .
واختلفوا في هذه
nindex.php?page=treesubj&link=9855العقوبات هل هي على التخيير أو مرتبة على قدر جناية المحارب ، فقال
مالك : إن قتل فلا بد من قتله ، وليس للإمام تخيير في قطعه ولا في نفيه ، وإنما التخيير في قتله أو صلبه . وأما إن أخذ المال ولم يقتل فلا تخيير في نفيه ، وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف . وأما إذا أخاف السبيل فقط فالإمام عنده مخير في قتله أو صلبه أو قطعه أو نفيه .
ومعنى التخيير عنده أن الأمر راجع في ذلك إلى اجتهاد الإمام ، فإن كان المحارب ممن له الرأي والتدبير ، فوجه الاجتهاد قتله أو صلبه ; لأن القطع لا يرفع ضرره . وإن كان لا رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلاف . وإن كان ليس فيه شيء من هاتين الصفتين أخذ بأيسر ذلك فيه وهو الضرب والنفي .
وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأبو حنيفة وجماعة من العلماء إلى أن هذه العقوبة هي مرتبة على الجنايات المعلوم من الشرع ترتيبها عليه ، فلا يقتل من المحاربين إلا من قتل ، ولا يقطع إلا من أخذ المال ، ولا ينفى إلا من لم يأخذ المال ولا قتل .
وقال قوم : بل الإمام مخير فيهم على الإطلاق ، وسواء قتل أم لم يقتل ، أخذ المال أو لم يأخذه .
وسبب الخلاف هل حرف " أو " في الآية للتخيير أو للتفصيل على حسب جناياتهم ؟
ومالك حمل البعض من المحاربين على التفصيل ، والبعض على التخيير .
واختلفوا في معنى
nindex.php?page=treesubj&link=9845_28976قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33أو يصلبوا ) فقال قوم : إنه يصلب حتى يموت جوعا ، وقال قوم : بل معنى ذلك أنه يقتل ويصلب معا .
وهؤلاء منهم من قال : يقتل أولا ثم يصلب ، وهو قول
أشهب ، وقيل إنه يصلب حيا ثم يقتل في الخشبة ، وهو قول
ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=12873وابن الماجشون .
ومن رأى أنه يقتل أولا ثم يصلب صلي عليه عنده قبل الصلب ، ومن رأى أنه يقتل في الخشبة ، فقال بعضهم : لا يصلى عليه تنكيلا له ، وقيل : يقف خلف الخشبة ويصلى عليه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15968سحنون : إذا قتل في الخشبة أنزل منها وصلي عليه .
[ ص: 765 ] وهل يعاد إلى الخشبة بعد الصلاة ؟ فيه قولان عنه ، وذهب
أبو حنيفة وأصحابه أنه لا يبقى على الخشبة أكثر من ثلاثة أيام .
وأما قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=28976_9842أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ) فمعناه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى ، ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ورجله اليمنى . واختلف إذا لم تكن له اليمنى ، فقال
ابن القاسم : تقطع يده اليسرى ورجله اليمنى ، وقال
أشهب : تقطع يده اليسرى ورجله اليسرى .
واختلف أيضا في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=28976_9843أو ينفوا من الأرض ) ، فقيل إن النفي هو السجن ، وقيل إن النفي هو أن ينفى من بلد إلى بلد فيسجن فيه إلى أن تظهر توبته ، وهو قول
ابن القاسم ، عن
مالك ، ويكون بين البلدين أقل ما تقصر فيه الصلاة ، والقولان عن
مالك ، وبالأول قال
أبو حنيفة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابن الماجشون : معنى النفي هو فرارهم من الإمام لإقامة الحد عليهم ، فأما أن ينفى بعد أن يقدر عليه فلا ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : أما النفي فغير مقصود ، ولكن إن هربوا شردناهم في البلاد بالاتباع ، وقيل : هي عقوبة مقصودة ، فقيل على هذا ينفى ويسجن دائما ، وكلها عن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقيل : معنى أو ينفوا أي : من أرض الإسلام إلى أرض الحرب .
والذي يظهر هو أن النفي تغريبهم عن وطنهم لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ) الآية . فسوى بين النفي والقتل ، وهي عقوبة ، معروفة ، بالعادة من العقوبات كالضرب والقتل ، وكل ما يقال فيه سوى هذا فليس معروفا لا بالعادة ولا بالعرف .
الْبَابُ الثَّالِثُ
فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُحَارِبِ
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=9839_9842_9843_9844مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحَارِبِ ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ حَقَّ اللَّهِ هُوَ الْقَتْلُ وَالصَّلْبُ وَقَطْعُ الْأَيْدِي وَقَطْعُ الْأَرْجُلِ مِنْ خِلَافٍ ، وَالنَّفْيُ عَلَى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةِ الْحِرَابَةِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=9855الْعُقُوبَاتِ هَلْ هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ أَوْ مُرَتَّبَةٌ عَلَى قَدْرِ جِنَايَةِ الْمُحَارِبِ ، فَقَالَ
مَالِكٌ : إِنْ قَتَلَ فَلَا بُدَّ مِنْ قَتْلِهِ ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ تَخْيِيرٌ فِي قَطْعِهِ وَلَا فِي نَفْيِهِ ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ . وَأَمَّا إِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ فَلَا تَخْيِيرَ فِي نَفْيِهِ ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ مِنْ خِلَافٍ . وَأَمَّا إِذَا أَخَافَ السَّبِيلَ فَقَطْ فَالْإِمَامُ عِنْدَهُ مُخَيَّرٌ فِي قَتْلِهِ أَوْ صَلْبِهِ أَوْ قَطْعِهِ أَوْ نَفْيِهِ .
وَمَعْنَى التَّخْيِيرِ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَمْرَ رَاجِعٌ فِي ذَلِكَ إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ ، فَإِنْ كَانَ الْمُحَارِبُ مِمَّنْ لَهُ الرَّأْيُ وَالتَّدْبِيرُ ، فَوَجْهُ الِاجْتِهَادِ قَتْلُهُ أَوْ صَلْبُهُ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ لَا يَرْفَعُ ضَرَرَهُ . وَإِنْ كَانَ لَا رَأْيَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ذُو قُوَّةٍ وَبَأْسٍ قَطَعَهُ مِنْ خِلَافٍ . وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ أَخَذَ بِأَيْسَرِ ذَلِكَ فِيهِ وَهُوَ الضَّرْبُ وَالنَّفْيُ .
وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ هِيَ مُرَتَّبَةٌ عَلَى الْجِنَايَاتِ الْمَعْلُومِ مِنَ الشَّرْعِ تَرْتِيبُهَا عَلَيْهِ ، فَلَا يُقْتَلُ مِنَ الْمُحَارِبِينَ إِلَّا مَنْ قَتَلَ ، وَلَا يُقْطَعُ إِلَّا مَنْ أَخَذَ الْمَالَ ، وَلَا يُنْفَى إِلَّا مَنْ لَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ وَلَا قَتَلَ .
وَقَالَ قَوْمٌ : بَلِ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَسَوَاءٌ قَتَلَ أَمْ لَمْ يَقْتُلْ ، أَخَذَ الْمَالَ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ هَلْ حَرْفُ " أَوْ " فِي الْآيَةِ لِلتَّخْيِيرِ أَوْ لِلتَّفْصِيلِ عَلَى حَسَبِ جِنَايَاتِهِمْ ؟
وَمَالِكٌ حَمَلَ الْبَعْضَ مِنَ الْمُحَارِبِينَ عَلَى التَّفْصِيلِ ، وَالْبَعْضَ عَلَى التَّخْيِيرِ .
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى
nindex.php?page=treesubj&link=9845_28976قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33أَوْ يُصَلَّبُوا ) فَقَالَ قَوْمٌ : إِنَّهُ يُصْلَبُ حَتَّى يَمُوتَ جُوعًا ، وَقَالَ قَوْمٌ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ مَعًا .
وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ : يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ ، وَهُوَ قَوْلُ
أَشْهَبَ ، وَقِيلَ إِنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُقْتَلُ فِي الْخَشَبَةِ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ الْقَاسِمِ nindex.php?page=showalam&ids=12873وَابْنِ الْمَاجِشُونِ .
وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يُقْتَلُ أَوَّلًا ثُمَّ يُصْلَبُ صُلِّيَ عَلَيْهِ عِنْدَهُ قَبْلَ الصَّلْبِ ، وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْخَشَبَةِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ تَنْكِيلًا لَهُ ، وَقِيلَ : يَقِفُ خَلْفَ الْخَشَبَةِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15968سَحْنُونٌ : إِذَا قُتِلَ فِي الْخَشَبَةِ أُنْزِلَ مِنْهَا وَصُلِّيَ عَلَيْهِ .
[ ص: 765 ] وَهَلْ يُعَادُ إِلَى الْخَشَبَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ عَنْهُ ، وَذَهَبَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى الْخَشَبَةِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=28976_9842أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ) فَمَعْنَاهُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى ، ثُمَّ إِنْ عَادَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى . وَاخْتُلِفَ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ الْيُمْنَى ، فَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ : تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى ، وَقَالَ
أَشْهَبُ : تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى .
وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=33nindex.php?page=treesubj&link=28976_9843أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) ، فَقِيلَ إِنَّ النَّفْيَ هُوَ السَّجْنُ ، وَقِيلَ إِنَّ النَّفْيَ هُوَ أَنْ يُنْفَى مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فَيُسْجَنَ فِيهِ إِلَى أَنْ تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ ، وَهُوَ قَوْلُ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ
مَالِكٍ ، وَيَكُونُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَقَلُّ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ، وَالْقَوْلَانِ عَنْ
مَالِكٍ ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12873ابْنُ الْمَاجِشُونِ : مَعْنَى النَّفْيِ هُوَ فِرَارُهُمْ مِنَ الْإِمَامِ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ ، فَأَمَّا أَنْ يُنْفَى بَعْدَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ فَلَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ : أَمَّا النَّفْيُ فَغَيْرُ مَقْصُودٍ ، وَلَكِنْ إِنْ هَرَبُوا شَرَّدْنَاهُمْ فِي الْبِلَادِ بِالِاتِّبَاعِ ، وَقِيلَ : هِيَ عُقُوبَةٌ مَقْصُودَةٌ ، فَقِيلَ عَلَى هَذَا يُنْفَى وَيُسْجَنُ دَائِمًا ، وَكُلُّهَا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، وَقِيلَ : مَعْنَى أَوْ يُنْفَوْا أَيْ : مِنْ أَرْضِ الْإِسْلَامِ إِلَى أَرْضِ الْحَرْبِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ هُوَ أَنَّ النَّفْيَ تَغْرِيبُهُمْ عَنْ وَطَنِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=66وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ ) الْآيَةَ . فَسَوَّى بَيْنَ النَّفْيِ وَالْقَتْلِ ، وَهِيَ عُقُوبَةٌ ، مَعْرُوفَةٌ ، بِالْعَادَةِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ كَالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ ، وَكُلُّ مَا يُقَالُ فِيهِ سِوَى هَذَا فَلَيْسَ مَعْرُوفًا لَا بِالْعَادَةِ وَلَا بِالْعُرْفِ .