فصل
وأما
nindex.php?page=treesubj&link=32457الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم : فالقرآن مملوء به .
فرأس الأدب معه : كمال التسليم له ، والانقياد لأمره . وتلقي خبره بالقبول والتصديق ، دون أن يحمله معارضة خيال باطل ، يسميه معقولا . أو يحمله شبهة أو شكا ، أو يقدم عليه آراء الرجال ، وزبالات أذهانهم ، فيوحده بالتحكيم والتسليم ، والانقياد والإذعان . كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل ، والإنابة والتوكل .
[ ص: 366 ] فهما توحيدان . لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما : توحيد المرسل . وتوحيد
nindex.php?page=treesubj&link=28750متابعة الرسول . فلا يحاكم إلى غيره . ولا يرضى بحكم غيره . ولا يقف تنفيذ أمره . وتصديق خبره . على عرضه على قول شيخه وإمامه ، وذوي مذهبه وطائفته ، ومن يعظمه . فإن أذنوا له نفذه وقبل خبره ، وإلا فإن طلب السلامة : أعرض عن أمره وخبره وفوضه إليهم ، وإلا حرفه عن مواضعه . وسمى تحريفه : تأويلا ، وحملا . فقال : نؤوله ونحمله .
فلأن يلقى العبد ربه بكل ذنب على الإطلاق - ما خلا الشرك بالله - خير له من أن يلقاه بهذه الحال .
ولقد خاطبت يوما بعض أكابر هؤلاء . فقلت له : سألتك بالله . لو قدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرنا . وقد واجهنا بكلامه وبخطابه . أكان فرضا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه ، أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم ؟
فقال : بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه .
فقلت : فما الذي نسخ هذا الفرض عنا ؟ وبأي شيء نسخ ؟
فوضع إصبعه على فيه . وبقي باهتا متحيرا . وما نطق بكلمة .
هذا أدب الخواص معه . لا مخالفة أمره والشرك به . ورفع الأصوات ، وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم . وعزل كلامه عن اليقين . وأن يستفاد منه معرفة الله ، أو يتلقى منه أحكامه . بل المعول في باب معرفة الله على العقول المتهوكة المتحيرة المتناقضة . وفي الأحكام : على تقليد الرجال وآرائها . والقرآن والسنة إنما نقرؤهما تبركا ، لا أنا نتلقى منهما أصول الدين ولا فروعه . ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسعينا في قطع دابره . واستئصال شأفته
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=63بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=64حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=65لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=66قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مستكبرين به سامرا تهجرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=68أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=69أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=73وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=74وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون .
[ ص: 367 ] والناصح لنفسه . العامل على نجاتها : يتدبر هذه الآيات حق تدبرها . ويتأملها حق تأملها . وينزلها على الواقع : فيرى العجب . ولا يظنها اختصت بقوم كانوا فبانوا . فالحديث لك . واسمعي يا جارة . والله المستعان .
ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم : أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ، ولا إذن ولا تصرف . حتى يأمر هو ، وينهى ويأذن ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=1ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وهذا باق إلى يوم القيامة ولم ينسخ . فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته ، كالتقدم بين يديه في حياته ، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم .
قال
مجاهد رحمه الله : لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال
أبو عبيدة : تقول العرب : لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب . أي لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه .
وقال غيره : لا تأمروا حتى يأمر . ولا تنهوا حتى ينهى .
nindex.php?page=treesubj&link=32461ومن الأدب معه : أن لا ترفع الأصوات فوق صوته . فإنه سبب لحبوط الأعمال فما الظن برفع الآراء ، ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به ؟ أترى ذلك موجبا لقبول الأعمال ، ورفع الصوت فوق صوته موجب لحبوطها ؟
ومن الأدب معه : أن لا يجعل دعاءه كدعاء غيره . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا . وفيه قولان للمفسرين .
أحدهما : أنكم
nindex.php?page=treesubj&link=32460لا تدعونه باسمه ، كما يدعو بعضكم بعضا ، بل قولوا : يا رسول الله ، يا نبي الله ، فعلى هذا : المصدر مضاف إلى المفعول ، أي دعاءكم الرسول .
الثاني : أن المعنى : لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضا . إن شاء أجاب ، وإن شاء ترك ، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بد من إجابته ، ولم يسعكم التخلف عنها ألبتة . فعلى هذا : المصدر مضاف إلى الفاعل . أي دعاؤه إياكم .
ومن الأدب معه : أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع - من خطبة ، أو جهاد ، أو رباط - لم يذهب أحد منهم مذهبا في حاجته حتى يستأذنه . كما قال تعالى :
[ ص: 368 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه . فإذا كان هذا مذهبا مقيدا بحاجة عارضة ، ولم يوسع لهم فيه إلا بإذنه فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين : أصوله ، وفروعه ، دقيقه ، وجليله ؟ هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
ومن الأدب معه : أن لا يستشكل قوله : . بل تستشكل الآراء لقوله : ولا يعارض نصه بقياس بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه . ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا ، نعم هو مجهول ، وعن الصواب معزول ، ولا يوقف قبول ما جاء به صلى الله عليه وسلم على موافقة أحد ، فكل هذا من قلة الأدب معه صلى الله عليه وسلم . وهو عين الجرأة .
فَصْلٌ
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=32457الْأَدَبُ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِهِ .
فَرَأَسُ الْأَدَبِ مَعَهُ : كَمَالُ التَّسْلِيمِ لَهُ ، وَالِانْقِيَادُ لِأَمْرِهِ . وَتَلَقِّي خَبَرِهِ بِالْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ ، دُونَ أَنْ يُحَمِّلَهُ مُعَارَضَةَ خَيَالٍ بَاطِلٍ ، يُسَمِّيهِ مَعْقُولًا . أَوْ يُحَمِّلَهُ شُبْهَةً أَوْ شَكًّا ، أَوْ يُقَدِّمَ عَلَيْهِ آرَاءَ الرِّجَالِ ، وَزُبَالَاتِ أَذْهَانِهِمْ ، فَيُوَحِّدُهُ بِالتَّحْكِيمِ وَالتَّسْلِيمِ ، وَالِانْقِيَادِ وَالْإِذْعَانِ . كَمَا وَحَّدَ الْمُرْسِلَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَالْخُضُوعِ وَالذُّلِّ ، وَالْإِنَابَةِ وَالتَّوَكُّلِ .
[ ص: 366 ] فَهُمَا تَوْحِيدَانِ . لَا نَجَاةَ لِلْعَبْدِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ إِلَّا بِهِمَا : تَوْحِيدُ الْمُرْسِلِ . وَتَوْحِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=28750مُتَابَعَةِ الرَّسُولِ . فَلَا يُحَاكِمُ إِلَى غَيْرِهِ . وَلَا يَرْضَى بِحُكْمِ غَيْرِهِ . وَلَا يَقِفُ تَنْفِيذُ أَمْرِهِ . وَتَصْدِيقُ خَبَرِهِ . عَلَى عَرْضِهِ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ وَإِمَامِهِ ، وَذَوِي مَذْهَبِهِ وَطَائِفَتِهِ ، وَمَنْ يُعَظِّمُهُ . فَإِنْ أَذِنُوا لَهُ نَفَّذَهُ وَقَبِلَ خَبَرَهُ ، وَإِلَّا فَإِنْ طَلَبَ السَّلَامَةَ : أَعْرَضَ عَنْ أَمْرِهِ وَخَبَرِهِ وَفَوَّضَهُ إِلَيْهِمْ ، وَإِلَّا حَرَّفَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ . وَسَمَّى تَحْرِيفَهُ : تَأْوِيلًا ، وَحَمْلًا . فَقَالَ : نُؤَوِّلُهُ وَنَحْمِلُهُ .
فَلَأَنْ يَلْقَى الْعَبْدُ رَبَّهُ بِكُلِّ ذَنْبٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ - مَا خَلَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ - خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَلْقَاهُ بِهَذِهِ الْحَالِ .
وَلَقَدْ خَاطَبْتُ يَوْمًا بَعْضَ أَكَابِرِ هَؤُلَاءِ . فَقُلْتُ لَهُ : سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ . لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا . وَقَدْ وَاجَهَنَا بِكَلَامِهِ وَبِخِطَابِهِ . أَكَانَ فَرْضًا عَلَيْنَا أَنْ نَتْبَعَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَى رَأْيِ غَيْرِهِ وَكَلَامِهِ وَمَذْهَبِهِ ، أَمْ لَا نَتْبَعَهُ حَتَّى نَعْرِضَ مَا سَمِعْنَاهُ مِنْهُ عَلَى آرَاءِ النَّاسِ وَعُقُولِهِمْ ؟
فَقَالَ : بَلْ كَانَ الْفَرْضُ الْمُبَادَرَةَ إِلَى الِامْتِثَالِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى سِوَاهُ .
فَقُلْتُ : فَمَا الَّذِي نَسَخَ هَذَا الْفَرْضَ عَنَّا ؟ وَبِأَيِّ شَيْءٍ نُسِخَ ؟
فَوَضَعَ إِصْبَعَهُ عَلَى فِيهِ . وَبَقِيَ بَاهِتًا مُتَحَيِّرًا . وَمَا نَطَقَ بِكَلِمَةٍ .
هَذَا أَدَبُ الْخَوَاصِّ مَعَهُ . لَا مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ وَالشِّرْكِ بِهِ . وَرَفْعِ الْأَصْوَاتِ ، وَإِزْعَاجِ الْأَعْضَاءِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيمِ . وَعَزْلِ كَلَامِهِ عَنِ الْيَقِينِ . وَأَنْ يُسْتَفَادَ مِنْهُ مَعْرِفَةُ اللَّهِ ، أَوْ يُتَلَقَّى مِنْهُ أَحْكَامُهُ . بَلِ الْمُعَوَّلُ فِي بَابِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ عَلَى الْعُقُولِ الْمُتَهَوِّكَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ الْمُتَنَاقِضَةِ . وَفِي الْأَحْكَامِ : عَلَى تَقْلِيدِ الرِّجَالِ وَآرَائِهَا . وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا نَقْرَؤُهُمَا تَبَرُّكًا ، لَا أَنَّا نَتَلَقَّى مِنْهُمَا أُصُولَ الدِّينِ وَلَا فُرُوعَهُ . وَمَنْ طَلَبَ ذَلِكَ وَرَامَهُ عَادَيْنَاهُ وَسَعَيْنَا فِي قَطْعِ دَابِرِهِ . وَاسْتِئْصَالِ شَأْفَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=63بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=64حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=65لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=66قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=67مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=68أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=69أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=71وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=72أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=73وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=74وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ .
[ ص: 367 ] وَالنَّاصِحُ لِنَفْسِهِ . الْعَامِلُ عَلَى نَجَاتِهَا : يَتَدَبَّرُ هَذِهِ الْآيَاتَ حَقَّ تَدَبُّرِهَا . وَيَتَأَمَّلُهَا حَقَّ تَأَمُّلِهَا . وَيُنْزِلُهَا عَلَى الْوَاقِعِ : فَيَرَى الْعَجَبَ . وَلَا يَظُنُّهَا اخْتَصَّتْ بِقَوْمٍ كَانُوا فَبَانُوا . فَالْحَدِيثُ لَكِ . وَاسْمَعِي يَا جَارَةُ . وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَمِنَ الْأَدَبِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ لَا يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ ، وَلَا إِذَنٍ وَلَا تَصَرُّفٍ . حَتَّى يَأْمُرَ هُوَ ، وَيَنْهَى وَيَأْذَنَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهَذَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُنْسَخْ . فَالتَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْ سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ ، كَالتَّقَدُّمِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي حَيَّاتِهِ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ .
قَالَ
مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَا تَفْتَاتُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : تَقُولُ الْعَرَبُ : لَا تُقَدِّمْ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ يَدَيِ الْأَبِ . أَيْ لَا تُعَجِّلُوا بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ دُونَهُ .
وَقَالَ غَيْرُهُ : لَا تَأْمُرُوا حَتَّى يَأْمُرَ . وَلَا تَنْهُوا حَتَّى يَنْهَى .
nindex.php?page=treesubj&link=32461وَمِنَ الْأَدَبِ مَعَهُ : أَنْ لَا تُرْفَعَ الْأَصْوَاتُ فَوْقَ صَوْتِهِ . فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِحُبُوطِ الْأَعْمَالِ فَمَا الظَّنُّ بِرَفْعِ الْآرَاءِ ، وَنَتَائِجِ الْأَفْكَارِ عَلَى سُنَّتِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ ؟ أَتُرَى ذَلِكَ مُوجِبًا لِقَبُولِ الْأَعْمَالِ ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ مُوجِبٌ لِحُبُوطِهَا ؟
وَمِنَ الْأَدَبِ مَعَهُ : أَنْ لَا يَجْعَلَ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ غَيْرِهِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا . وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْمُفَسِّرِينَ .
أَحَدُهُمَا : أَنَّكُمْ
nindex.php?page=treesubj&link=32460لَا تَدْعُونَهُ بِاسْمِهِ ، كَمَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، بَلْ قُولُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَعَلَى هَذَا : الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ ، أَيْ دُعَاءَكُمُ الرَّسُولَ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمَعْنَى : لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَهُ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ دُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا . إِنْ شَاءَ أَجَابَ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ ، بَلْ إِذَا دَعَاكُمْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ بُدٌّ مِنْ إِجَابَتِهِ ، وَلَمْ يَسَعْكُمُ التَّخَلُّفُ عَنْهَا أَلْبَتَّةَ . فَعَلَى هَذَا : الْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ . أَيْ دُعَاؤُهُ إِيَّاكُمْ .
وَمِنَ الْأَدَبِ مَعَهُ : أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ - مِنْ خُطْبَةٍ ، أَوْ جِهَادٍ ، أَوْ رِبَاطٍ - لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَذْهَبًا فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى :
[ ص: 368 ] nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=62إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ . فَإِذَا كَانَ هَذَا مَذْهَبًا مُقَيَّدًا بِحَاجَةٍ عَارِضَةٍ ، وَلَمْ يُوَسِّعْ لَهُمْ فِيهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَكَيْفَ بِمَذْهَبٍ مُطْلَقٍ فِي تَفَاصِيلِ الدِّينِ : أُصُولِهِ ، وَفُرُوعِهِ ، دَقِيقِهِ ، وَجَلِيلِهِ ؟ هَلْ يُشْرَعُ الذَّهَابُ إِلَيْهِ بِدُونِ اسْتِئْذَانِهِ ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
وَمِنَ الْأَدَبِ مَعَهُ : أَنْ لَا يُسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ : . بَلْ تُسْتَشْكَلُ الْآرَاءُ لِقَوْلِهِ : وَلَا يُعَارَضُ نَصُّهُ بِقِيَاسٍ بَلْ تُهْدَرُ الْأَقْيِسَةُ وَتُلْقَى لِنُصُوصِهِ . وَلَا يُحَرَّفُ كَلَامُهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ لِخَيَالٍ يُسَمِّيهِ أَصْحَابُهُ مَعْقُولًا ، نَعَمْ هُوَ مَجْهُولٌ ، وَعَنِ الصَّوَابِ مَعْزُولٌ ، وَلَا يُوقَفُ قَبُولُ مَا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مُوَافَقَةِ أَحَدٍ ، فَكُلُّ هَذَا مِنْ قِلَّةِ الْأَدَبِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهُوَ عَيْنُ الْجُرْأَةِ .