الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن يكون محوزا فلا تجوز هبة المشاع فيما يقسم وتجوز فيما لا يقسم كالعبد والحمام والدن ونحوها وهذا عندنا وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط وتجوز هبة المشاع فيما يقسم وفيما لا يقسم عنده واحتج بظاهر قوله عز وجل { فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون } أوجب سبحانه وتعالى نصف المفروض في الطلاق قبل الدخول إلا أن يوجد الحط من الزوجات عن النصف من غير فصل بين العين والدين والمشاع والمقسوم فيدل على جواز هبة المشاع في الجملة وبما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما شدد في الغلول في الغنيمة في بعض الغزوات فقام عليه الصلاة والسلام إلى سنام بعير وأخذ منه [ ص: 120 ] وبرة ثم قال { أما إني لا يحل لي من غنيمتكم ولو بمثل هذه الوبرة إلا الخمس والخمس مردود فيكم ردوا الخيط والمخيط فإن الغلول عار وشنار على صاحبه إلى يوم القيامة فجاء أعرابي بكبة من شعر فقال أخذتها لأصلح بها بردعة بعيري يا رسول الله فقال أما نصيبي فهو لك وسأسلمك الباقي } وهذا هبة المشاع فيما يقسم .

                                                                                                                                وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل على أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه فنظر إلى موضع المسجد فوجده بين أسعد بن زرارة وبين رجلين من قومه فاستباع أسعد نصيبهما ليهب الكل من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبيا ذلك فوهب أسعد نصيبه من النبي عليه الصلاة والسلام فوهبا أيضا نصيبهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قبل النبي عليه الصلاة والسلام الهبة في نصيب أسعد وقبل في نصيب الرجلين أيضا ولو لم يكن جائزا لما قبل لأن أدنى حال فعل النبي عليه الصلاة والسلام الجواز ولأن الشياع لا يمنع حكم هذا التصرف ولا شرطه لأن حكم الهبة الملك والشياع لا يمنع الملك ألا ترى أنه يجوز بيع المشاع وكذا هبة المشاع فيما لا يقسم وشرطه هو القبض والشيوع لا يمنع القبض لأنه يحصل قابضا للنصف المشاع بتخلية الكل ولهذا جازت هبة المشاع فيما لا يقسم وإن كان القبض فيها شرطا لثبوت الملك كذا هذا .

                                                                                                                                ( ولنا ) إجماع الصحابة رضي الله عنهم فإنه روي أن سيدنا أبا بكر قال في مرض موته لسيدتنا عائشة رضي الله عنها إن أحب الناس إلي غنى أنت وأعزهم علي فقرا أنت وإني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي بالعالية وإنك لم تكوني قبضتيه ولا جذيتيه وإنما هو اليوم مال الوارث اعتبر سيدنا الصديق رضي الله عنه القبض والقيمة في الهبة لثبوت الملك لأن الحيازة في اللغة جمع الشيء المفرق في حيز وهذا معنى القسمة لأن الأنصباء الشائعة قبل القسمة كانت متفرقة والقسمة تجمع كل نصيب في حيز وروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال ما بال أحدكم ينحل ولده نحلا لا يحوزها ولا يقسمها ويقول إن مت فهو له وإن مات رجعت إلي وأيم الله لا ينحل أحدكم ولده نحلى لا يحوزها ولا يقسمها فيموت إلا جعلتها ميراثا لورثته .

                                                                                                                                والمراد من الحيازة القبض هنا لأنه ذكرها بمقابلة القسمة حتى لا يؤدي إلى التكرار أخرج الهبة من أن تكون موجبة للملك بدون القبض والقسمة وروي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه قال من وهب ثلث كذا أو ربع كذا لا يجوز ما لم يقاسم وكل ذلك بمحضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أنكر عليهم منكر فيكون إجماعا ولأن القبض شرط جواز هذا العقد والشيوع يمنع من القبض لأن معنى القبض هو التمكن من التصرف في المقبوض والتصرف في النصف الشائع وحده لا يتصور فإن سكنى نصف الدار شائعا ولبس نصف الثوب شائعا محال ولا يتمكن من التصرف فيه بالتصرف في الكل لأن العقد لم يتناول الكل وهكذا نقول في المشاع الذي لا يقسم أن معنى القبض هناك لم يوجد لما قلنا إلا أن هناك ضرورة لأنه يحتاج إلى هبة بعضه ولا حكم للهبة بدون القبض والشياع مانع من القبض الممكن للتصرف ولا سبيل إلى إزالة المانع بالقسمة لعدم احتمال القسمة فمست الضرورة إلى الجواز وإقامة صورة التخلية مقام القبض الممكن من التصرف ولا ضرورة هنا لأن المحل محتمل للقسمة فيمكن إزالة المانع من القبض الممكن بالقسمة .

                                                                                                                                أو نقول : الصحابة رضي الله عنهم شرطوا القبض المطلق والمطلق ينصرف إلى الكامل وقبض المشاع قبض قاصر لوجوده من حيث الصورة دون المعنى على ما بينا إلا أنه اكتفى بالصورة في المشاع الذي لا يحتمل القسمة للضرورة التي ذكرنا ولا ضرورة هنا فلزم اعتبار الكمال في القبض ولا يوجد في المشاع ولأن الهبة عقد تبرع فلو صحت في مشاع يحتمل القسمة لصار عقد ضمان لأن الموهوب له يملك مطالبة الواهب بالقسمة فيلزمه ضمان القسمة فيؤدي إلى تغيير المشروع ولهذا توقف الملك في الهبة على القبض لما أنه لو ملكه بنفس العقد لثبتت له ولاية المطالبة بالتسليم فيؤدي إلى إيجاب الضمان في عقد التبرع وفيه تغيير المشروع وكذا هذا بخلاف مشاع لا يحتمل القسمة لأن هناك لا يتصور إيجاب الضمان على المتبرع لأن الضمان ضمان القسمة والمحل لا يحتمل القسمة فهو الفرق .

                                                                                                                                ( وأما ) الآية فلا حجة فيها لأن المراد من المفروض الدين لا العين ألا ترى أنه قال { إلا أن يعفون } والعفو إسقاط وإسقاط الأعيان لا يعقل وكذا الغالب في المهر أن يكون [ ص: 121 ] دينا وهبة الدين ممن عليه الدين جائز لأنه إسقاط الدين عنه وأنه جائز في المشاع .

                                                                                                                                ( وأما ) حديث الكبة فيحتمل أن النبي عليه الصلاة والسلام وهب نصيبه منه واستوهب البقية من أصحاب الحقوق فوهبوا وسلموا الكل جملة وفي الحديث ما يدل عليه فإنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأسلمك الباقي وما كان هو عليه الصلاة والسلام ليخلف في وعده وهبة المشاع على هذا السبيل جائزة عندنا على أن ذلك كان هبة مشاع لا ينقسم من حيث المعنى لأن كبة واحدة لو قسمت على الجم الغفير لا يصيب كلا منهم إلا نزر حقير لا ينتفع به فكان في معنى مشاع لا ينقسم .

                                                                                                                                ( وأما ) حديث أسعد بن زرارة فحكاية حال يحتمل أنه وهب نصيبه وشريكاه وهبا نصيبهما منه وسلموا الكل جملة وهذا جائز عندنا ويحتمل أن الأنصباء كانت مقسومة مفرزة ويجوز أن يقال في مثل هذا بينهم إذا كانت الجملة متصلة بعضها ببعض كقرية بين جماعة أنها تضاف إليهم وإن كانت أنصباؤهم مقسومة واحتمل بخلافه فلا يكون حجة مع الاحتمال لأن حكاية الحال لا عموم له ولو قسم ما وهب وأفرزه ثم سلمه إلى الموهوب له جاز لأن هبة المشاع عندنا منعقد موقوف نفاذه على القسمة والقبض بعد القسمة هو الصحيح إذ الشيوع لا يمنع ركن العقد ولا حكمه وهو الملك ولا سائر الشرائط إلا القبض الممكن من التصرف فإذا قسم وقبض فقد زال المانع من النفاذ فينفذ .

                                                                                                                                وحديث الصديق رضي الله عنه لا يدل عليه فإنه قال لسيدتنا عائشة رضي الله عنها إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالي وكان ذلك هبة المشاع فيما ينقسم لأن النحل من ألفاظ الهبة ولو لم ينعقد لما فعله الصديق رضي الله عنه لأنه ما كان ليعقد عقدا باطلا فدل قول الصديق رضي الله عنه على انعقاد العقد في نفسه وتوقف حكمه على القسمة والقبض وهو عين مذهبنا والله عز وجل أعلم وكذلك لو وهب نصف داره من رجل ولم يسلم إليه ثم وهب منه النصف الآخر وسلم إليه جملة جاز لما قلنا ولو وهب منه نصف الدار وسلم إليه بنحلة الكل ثم وهب منه النصف الآخر وسلم لم تجز الهبة لأن كل واحد منهما هبة المشاع وهبة المشاع فيما يقسم لا تنفذ إلا بالقسمة والتسليم ويستوي فيه الجواب في هبة المشاع بين أن يكون من أجنبي أو من شريكه كل ذلك يجوز لقول جماعة من الصحابة رضي الله عنهم لا تجوز الهبة إلا مقبوضة محوزة من غير فصل ولأن المانع هو الشياع عند القبض وقد وجد وعلى هذا الخلاف صدقة المشاع فيما ينقسم أنه لا يجوز عندنا خلافا للشافعي رحمه الله .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن الشياع لا يمنع حكم التصرف وهو الملك ولا شرطه وهو القبض ولا يمنع جوازه كالمفروض .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن القبض شرط جواز الصدقة ومعنى القبض لا يتحقق في الشائع أو لا يتكامل فيه لما بينا في الهبة ولأن التصدق تبرع كالهبة وتصحيحه في المشاع يصيرها عقد ضمان فيتغير المشروع على ما ينافي الهبة ولو وهب شيئا ينقسم من رجلين كالدار والدراهم والدنانير ونحوها وقبضاه لم يجز عند أبي حنيفة وجاز عند أبي يوسف ومحمد وأجمعوا على أنه لو وهب رجلان من واحد شيئا ينقسم وقبضه أنه يجوز فأبو حنيفة يعتبر الشيوع عند القبض وهما يعتبرانه عند العقد والقبض جميعا فلم يجوز أبو حنيفة هبة الواحد من اثنين لوجود الشياع وقت القبض وهما جوزاها لأنه لم يوجد الشياع في الحالين بل وجد أحدهما دون الآخر وجوزوا هبة الاثنين من واحد .

                                                                                                                                ( أما ) أبو حنيفة رحمه الله فلعدم الشيوع في وقت القبض .

                                                                                                                                ( وأما ) هما فلانعدامه في الحالين لأنه وجد عند العقد ولم يوجد عند القبض ومدار الخلاف بينهم على حرف وهو أن هبة الدار من رجلين تمليك كل الدار جملة أو تمليك من أحدهما والنصف من الآخر فعند أبي حنيفة تمليك النصف من أحدهما والنصف من الآخر فيكون هبة المشاع فيما ينقسم كأنه أفرد تمليك كل نصف من كل واحد منهما بعقد على حدة وعندهما هي تمليك الكل منهما إلا تمليك النصف من هذا والنصف من ذلك فلا يكون تمليك الشائع فيجوز .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن العمل بموجب الصيغة هو الأصل وذلك فيما قلنا لأن قوله وهبت هذه الدار كلها هبة كل الدار جملة منهما إلا هبة النصف من أحدهما والنصف من الآخر لأن ذلك توزيع وتفريق واللفظ لا يدل عليه ولا يجوز العدول عن موجب اللفظ لغة إلا لضرورة الصحة وفي العدول عن ظاهر الصيغة ههنا فساد العقد بسبب الشيوع فوجب العمل بظاهر الصيغة وهو تمليك الكل منهما وموجب التمليك [ ص: 122 ] منها ثبوت الملك لهما في الكل وإنما يثبت الملك لكل واحد منهما في النصف عند الانقسام ضرورة المزاحمة واستوائهما في الاستحقاق إذ ليس كل واحد منهما أولى من الآخر لدخول كل واحد منهما في العقد على السواء كالأخوين في الميراث عند الاستواء في الدرجة أن الميراث يكون بينهما نصفين وإن كان سبب الاستحقاق في حق كل واحد منهما على الكمال حتى لو انفرد أحدهما يستحق كل المال .

                                                                                                                                وإذا جاءت المزاحمة مع المساواة في الاستحقاق يثبت عند انقسام الميراث في النصف وكذا الشفيعان يثبت لكل واحد منهما أخذ نصف الدار بالشفعة لضرورة المزاحمة والاستواء في الاستحقاق وإن كان السبب في حق كل واحد منهما صالحا لإثبات حق الشفعة في الكل حتى لو سلم أحدهما يكون الكل للآخر وعلى هذا مسائل فلم يكن الانقسام على التناصف موجب الصيغة بل لتضايق المحل لهذا جاز الرهن من رجل فكان ذلك رهنا من كل واحد منهما على الكمال إذ لو كان رهن النصف من هذا والنصف من ذلك لما جاز لأنه يكون رهن المشاع لهذا لو قضى الراهن دين أحدهما كان للآخر حبس الكل دل أن ذلك رهن الكل من كل واحد منهما كذا هذا .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي حنيفة رحمه الله أن هذا تمليك مضاف إلى الشائع فلا يجوز كما إذا ملك نصف الدار من أحدهما والنصف من الآخر بعقد على حدة والدليل على أن هذا تمليك مضاف إلى الشائع أن قوله وهبت هذه الدار منكما إما أن يكون تمليك كل الدار الواحدة من كل واحد منهما وإما أن يكون تمليك النصف من أحدهما والنصف من الآخر لا سبيل إلى الأول لأن الدار الواحدة يستحيل أن تكون مملوكة لكل واحد منهما على الكمال والمحال لا يكون موجب العقد فتعين الثاني وهو أن يكون تمليك النصف من أحدهما والنصف من الآخر لهذا لم يملك كل واحد منهما التصرف في كل الدار بل في نصفها ولو كان كل الدار مملوكا لكل واحد منهما لملك وكذا كل واحد منهما يملك مطالبة صاحبه بالتهايؤ أو بالقسمة وهذا آية ثبوت الملك له في النصف وإذا كان هذا تمليك الدار لهما على التناصف كان تمليكا مضافا إلى الشائع كأنه أفرد لكل واحد منهما العقد في النصف والشيوع يؤثر في القبض الممكن من التصرف على ما مر .

                                                                                                                                وقد خرج الجواب عن قولهما أن موجب الصيغة ثبوت الملك في كل الدار لكل واحد منهما على الكمال لما ذكرنا أن هذا محال والمحال لا يكون موجب العقد ولا العاقد بعقده يقصد أمرا محالا أيضا فكان موجب العقد التمليك منهما على التناصف لأن هذا تمليك الدار منهما فكان عملا بموجب الصيغة من غير إحالة فكان أولى بخلاف الرهن فإن الدار الواحدة تصلح مرهونة عند كل واحد منهما لأن الرهن هو الحبس واجتماعهما على الحبس متصور بأن يحبساه معا أو يضعاه جميعا على يدي عدل فتكون الدار محبوسة كلها عند كل واحد منهما وهذا مما لا يمكن تحقيقه في الملك فهو الفرق .

                                                                                                                                وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا وهب من رجلين فقسم ذلك وسلم إلى كل واحد منهما جاز لأن المانع هو الشيوع عند القبض وقد زال هذا إذا وهب من رجلين شيئا مما يقسم فإن كان مما لا يقسم جاز بالإجماع لما ذكرنا فيما تقدم ثم على أصلهما إذا قال لرجلين وهبت لكما هذه الدار لهذا نصفها ولهذا نصفها جاز لأن قوله لهذا نصفها ولهذا نصفها خرج تفسيرا للحكم الثابت بالعقد إذ لا يمكن جعله تفسيرا لنفس العقد لأن العقد وقع تمليك الدار جملة منهما على ما بينا فجعل تفسيرا لحكمه فلا يوجب ذلك إشاعة في العقد .

                                                                                                                                ولو قال وهبت لك نصفها ولهذا نصفها لم يجز لأن الشيوع دخل على نفس العقد فمنع الجواز ولو قال وهبت لكما هذه الدار ثلثها لهذا وثلثاها لهذا لم يجز عند أبي يوسف وجاز عند محمد .

                                                                                                                                ( وجه ) قول محمد أن العقد متى جاز لاثنين يستوي فيه التساوي والتفاضل كعقد البيع .

                                                                                                                                ( وجه ) قول أبي يوسف أن الجواز عند التساوي بطريق التفسير للحكم الثابت بالعقد وذلك لا يوجب شيوعا في العقد ولما فضل أحد النصيبين عن الآخر تعذر جعله تفسيرا لأن مطلق العقد لا يحتمل التفاضل فكان تفضيل أحد النصيبين في معنى إفراد العقد لكل واحد منهما فكان هبة المشاع والشيوع يؤثر في الهبة ولا يؤثر في البيع ولو رهن من رجلين لأحدهما ثلثه وللآخر ثلثاه أو نصفه لهذا ونصفه لذلك على التفاضل والتناصف لا يجوز بالإجماع بخلاف ما إذا أبهم بأن قال وهبت منكما أنه يجوز ولو وهب من فقيرين شيئا ينقسم فالهبة من فقيرين بمنزلة التصدق عليهما لأن [ ص: 123 ] الهبة من الفقير صدقة لأنه يبتغى بها وجه الله تعالى وسنذكر حكمها إن شاء الله تعالى وعلى هذا يخرج هبة الشجر دون الثمر والثمر دون الشجر والأرض دون الزرع والزرع دون الأرض أنها غير جائزة لأن الموهوب متصل بما ليس بموهوب اتصال جزء بجزء فكان كهبة المشاع ولو فصل وسلم جاز كما في هبة المشاع .

                                                                                                                                ولو تصدق بعشرة دراهم على رجلين فإن كانا غنيين لم يجز عند أبي حنيفة ويجوز عندهما لأن التصدق على الغني هبة في الحقيقة والهبة من اثنين لا تجوز وعندهما جائزة وإن كانا فقيرين فعندهما تجوز كما تجوز في الهبة من رجلين وعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان في كتاب الهبة لا يجوز وفي الجامع الصغير يجوز .

                                                                                                                                ( وجه ) رواية كتاب الهبة أن الشياع كما يمنع جواز الهبة يمنع جواز الصدقة على ما ذكرنا فيما تقدم وههنا يتحقق الشيوع في القبض .

                                                                                                                                ( وجه ) رواية الجامع وهي الصحيحة أن معنى الشيوع في القبض لا يتحقق في الصدقة على فقيرين لأن المتصدق يتقرب بالصدقة إلى الله عز وجل ثم الفقير يقبض من الله تعالى قال الله تبارك وتعالى { ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات } وقال عليه الصلاة والسلام { الصدقة تقع في يد الرحمن قبل أن تقع في يد الفقير } والله تعالى واحد لا شريك له فلا يتحقق معنى الشيوع كما لو تصدق على فقير واحد ثم وكل بقبضها وكيلين بخلاف التصدق على غنيين لأن الصدقة على الغني يبتغى بها وجه الغني فكانت هدية لا صدقة قال عليه الصلاة والسلام { الصدقة يبتغى بها وجه الله تعالى والدار الآخرة } والهدية يبتغى بها وجه الرسول وقضاء الحاجة والهدية هبة فيتحقق معنى الشيوع في القبض وأنه مانع الجواز عنده .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية