الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما الذي يخص البعض دون البعض .

                                                                                                                                فأما صوم رمضان فيتعلق بفساده حكمان أحدهما : وجوب القضاء ، والثاني : وجوب الكفارة ، أما وجوب القضاء : فإنه يثبت بمطلق الإفساد سواء كان صورة ومعنى ، أو صورة لا معنى ، أو معنى لا صورة ، وسواء كان عمدا ، أو خطأ ، وسواء كان بعذر ، أو بغير عذر ، لأن القضاء يجب جبرا للفائت فيستدعي فوات الصوم لا غير ، والفوات يحصل بمطلق الإفساد فتقع الحاجة إلى الجبر بالقضاء ، ليقوم مقام الفائت فينجبر الفوات معنى .

                                                                                                                                وأما وجوب الكفارة فيتعلق بإفساد مخصوص وهو الإفطار الكامل بوجود الأكل أو الشرب أو الجماع صورة ومعنى متعمدا من غير عذر [ ص: 98 ] مبيح ولا مرخص ولا شبهة الإباحة ، ونعني بصورة الأكل ، والشرب ومعناهما : إيصال ما يقصد به التغذي أو التداوي إلى جوفه من الفم لأن به يحصل قضاء شهوة البطن على سبيل الكمال .

                                                                                                                                ونعني بصورة الجماع ومعناه : إيلاج الفرج في القبل لأن كمال قضاء شهوة الفرج لا يحصل إلا به ، ولا خلاف في وجوب الكفارة على الرجل بالجماع ، والأصل فيه حديث الأعرابي وهو ما روي : { أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسول الله ، هلكت ، وأهلكت ، فقال : ماذا صنعت ؟ قال : واقعت امرأتي في نهار رمضان متعمدا وأنا صائم فقال : أعتق رقبة وفي بعض الروايات قال له : من غير عذر ولا سفر ؟ قال : نعم ، فقال : أعتق رقبة } .

                                                                                                                                وأما المرأة فكذلك يجب عليها عندنا إذا كانت مطاوعة ، وللشافعي قولان في قول : لا يجب عليها أصلا ، وفي قول : يجب عليها ويتحملها الرجل .

                                                                                                                                وجه قوله الأول إن وجوب الكفارة عرف نصا بخلاف القياس لما نذكر ، والنص ورد في الرجل دون المرأة .

                                                                                                                                وكذا ورد بالوجوب بالوطء وأنه لا يتصور من المرأة فإنها موطوءة وليست بواطئة فبقي الحكم فيها على أصل القياس ، ووجه قوله الثاني أن الكفارة إنما وجبت عليها بسبب فعل الرجل ، فوجب عليه التحمل كثمن ماء الاغتسال ، ولنا أن النص وإن ورد في الرجل لكنه معلول بمعنى يوجد فيهما ، وهو إفساد صوم رمضان بإفطار كامل حرام محض متعمدا فتجب الكفارة عليها بدلالة النص وبه تبين أنه لا سبيل إلى التحمل لأن الكفارة إنما وجبت عليها بفعلها وهو إفساد الصوم ، ويجب مع الكفارة القضاء عند عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال الأوزاعي : إن كفر بالصوم فلا قضاء عليه ، وزعم أن الصومين يتداخلان وهذا غير سديد لأن صوم الشهرين يجب تكفيرا زجرا عن جناية الإفساد ، أو رفعا لذنب الإفساد ، وصوم القضاء يجب جبرا للفائت ، فكل واحد منهما شرع لغير ما شرع له الآخر ، فلا يسقط صوم القضاء بصوم شهرين ، كما لا يسقط بالإعتاق .

                                                                                                                                وقد روي عن أبي هريرة أن { النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي واقع امرأته أن يصوم يوما } .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية