الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو نوى في قوله : لله علي أن أعتكف شهرا النهار دون الليل ; لم تصح نيته ويلزمه الاعتكاف شهرا بالأيام والليالي جميعا ; لأن الشهر اسم لزمان مقدر بثلاثين يوما وليلة مركب من شيئين مختلفين كل واحد منهما أصل في نفسه كالبلق ، فإذا أراد أحدهما ; فقد أراد بالاسم ما لم يوضع له ولا احتمله فبطل ، كمن ذكر البلق وعنى به البياض دون السواد فلم تصادف النية محلها فلغت .

                                                                                                                                وهذا بخلاف اسم الخاتم فإنه اسم للحلقة بطريق الأصالة ، والفص كالتابع لها ; لأنه مركب فيها زينة لها ; فكان كالوصف لها فجاز أن يذكر الخاتم ويراد به الحلقة .

                                                                                                                                فأما ههنا فكل واحد من الزمانين أصل فلم ينطلق الاسم على أحدهما بخلاف ما إذا قال : لله علي أن أصوم شهرا حيث انصرف إلى النهار دون الليالي ; لأن هناك أيضا لا نقول : إن اسم الشهر تناول النهار دون الليالي ; لما ذكرنا من الاستحالة ، بل تناول النهار والليالي جميعا ; فكان مضيفا النذر بالصوم إلى الليالي والنهار جميعا معا غير أن الليالي ليست محلا لإضافة النذر بالصوم إليها فلم تصادف النية محلها فلغا ذكر الليالي والنهار محل لذلك ; فصحت الإضافة إليها على الأصل المعهود أن التصرف المصادف لمحله يصح ، والمصادف لغير محله يلغو ، فأما في الاعتكاف فكل واحد منهما محل ، ولو قال : لله [ ص: 112 ] علي أن أعتكف شهرا النهار دون الليل ; يلزمه كما التزم .

                                                                                                                                وهو اعتكاف شهر بالأيام دون الليالي ; لأنه لما قال : النهار دون الليل ; فقد لغا ذكر الشهر بنص كلامه ، كمن قال : رأيت فرسا أبلق للبياض منه دون السواد ; وكان هو بالخيار : إن شاء تابع وإن شاء فرق ; لأنه تلفظ بالنهار .

                                                                                                                                والأصل فيه أن كل اعتكاف وجب في الأيام دون الليالي ; فصاحبه فيه بالخيار : إن شاء تابع وإن شاء فرق .

                                                                                                                                وكل اعتكاف وجب في الأيام والليالي جميعا : يلزمه اعتكاف شهر يصومه متتابعا .

                                                                                                                                ولو أوجب على نفسه اعتكاف شهر بعينه بأن قال : لله علي أن أعتكف رجب ; يلزمه أن يعتكف فيه يصومه متتابعا ، وإن أفطر يوما أو يومين ; فعليه قضاء ذلك ولا يلزمه قضاء ما صح اعتكافه فيه كما إذا أوجب على نفسه صوم رجب على ما ذكرنا في كتاب الصوم .

                                                                                                                                فإن لم يعتكف في رجب حتى مضى ; يلزمه اعتكاف شهر يصومه متتابعا ; لأنه لما مضى رجب من غير اعتكاف ; صار في ذمته اعتكاف شهر بغير عينه فيلزمه مراعاة صفة التتابع فيه كما إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر بغير عينه ابتداء بأن قال : لله علي أن أعتكف شهرا .

                                                                                                                                ولو أوجب اعتكاف شهر بعينه فاعتكف شهرا قبله عن نذره بأن قال : لله علي أن أعتكف رجبا فاعتكف شهر ربيع الآخر ; أجزأه عن نذره عند أبي يوسف وعند محمد رحمهما الله تعالى لا يجزئه .

                                                                                                                                وهو على الاختلاف في النذر بالصوم في شهر معين فصام قبله ونذكر المسألة في كتاب النذر إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية