الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما بيان زمانه ، ومكانه فزمانه أيام النحر ، ومكانه الحرم ، وهذا قول أبي حنيفة إن الحلق يختص بالزمان ، والمكان ، وقال أبو يوسف لا يختص بالزمان ، ولا بالمكان ، وقال محمد يختص بالمكان لا بالزمان ، وقال زفر يختص بالزمان لا بالمكان حتى لو أخر الحلق عن أيام النحر أو حلق خارج الحرم يجب عليه الدم في قول أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف لا دم عليه فيهما جميعا ، وعند محمد يجب عليه الدم في المكان ، ولا يجب في الزمان ، وعند زفر يجب في الزمان ، ولا يجب في المكان احتج زفر بما روي { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق عام الحديبية ، وأمر أصحابه بالحلق } ، وحديبية من الحل فلو اختص بالمكان ، وهو الحرم لما جاز في غيره ، ولو كان كذلك لما فعل بنفسه ، ولما أمر أصحابه فدل أن الحلق لا يختص جوازه بالمكان ، وهو الحرم ، وهذا أيضا حجة أبي يوسف في المكان ، ولأبي يوسف ، ومحمد في أنه لا يختص بزمان ما روي { أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : حلقت قبل أن أذبح فقال صلى الله عليه وسلم : اذبح ، ولا حرج ، وجاءه آخر فقال ذبحت قبل أن أرمي ، فقال : ارم ، ولا حرج } فما سئل في ذلك اليوم عن تقديم نسك ، وتأخيره إلا قال : افعل ، ولا حرج ولأبي حنيفة { أنه صلى الله عليه وسلم حلق في أيام النحر في الحرم } فصار فعله بيانا لمطلق الكتاب ، ويجب عليه بتأخيره دم عنده ; لأن تأخير الواجب بمنزلة الترك في حق وجوب الجابر لما ذكرنا في طواف الزيارة .

                                                                                                                                وأما حديث الحديبية فقد ذكرنا أن الحديبية بعضها من الحل ، وبعضها من الحرم فيحتمل أنهم حلقوا في الحرم فلا يكون حجة مع الاحتمال مع ما أنه روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نزل بالحديبية في الحل ، وكان يصلي في الحرم } فالظاهر أنه لم يحلق في الحل ، وله سبيل الحلق في الحرم ، وأما الحديث الآخر فنقول بموجبه : إنه لا حرج في التأخير عن المكان والزمان ، وهو الإثم لكن انتفاء الإثم لا يوجب انتفاء الكفارة كما في كفارة الحلق عند الأذى وكفارة قتل الخطأ ، ولو لم يحلق حتى خرج من الحرم ثم عاد إلى الحرم [ ص: 142 ] فحلق أو قصر فلا دم عليه لوجود الشرط على قول من يجعل المكان شرطا .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية