(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) .
اعلم أنه تعالى لما ذكر في التائب أنه يدخل الجنة
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30391_30384وصف الجنة بأمور :
أحدها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ) والعدن الإقامة وصفها بالدوام على خلاف حال الجنان في الدنيا التي لا تدوم ، ولذلك فإن حالها لا يتغير في مناظرها فليست كجنان الدنيا التي حالها يختلف في خضرة الورق ، وظهور النور ، والثمر ، وبين تعالى أنها : "وعد الرحمن لعباده " وأما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61بالغيب ) ففيه وجهان :
أحدهما : أنه تعالى وعد[هم إيا]ها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها .
والثاني : أن المراد
nindex.php?page=treesubj&link=29534_19696_19496وعد الرحمن للذين يكونون عبادا بالغيب أي الذين يعبدونه في السر بخلاف المنافقين فإنهم يعبدونه في الظاهر ، ولا يعبدونه في السر وهو قول
أبي مسلم . والوجه الأول أقوى ؛ لأنه تعالى بين أن الوعد منه تعالى وإن كان بأمر غائب فهو كأنه مشاهد حاصل ، لذلك قال بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61إنه كان وعده مأتيا ) أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61مأتيا ) فقيل إنه مفعول بمعنى فاعل ، والوجه أن الوعد هو الجنة وهم يأتونها ، قال
الزجاج : كل ما وصل إليك فقد وصلت إليه ، وما أتاك فقد أتيته ، والمقصود من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61إنه كان وعده مأتيا ) بيان أن
nindex.php?page=treesubj&link=33678_29703_29710الوعد منه تعالى ، وإن كان بأمر غائب فهو كأنه مشاهد وحاصل والمراد تقرير ذلك في القلوب .
وثانيها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما )
nindex.php?page=treesubj&link=19136واللغو من الكلام ما سبيله أن يلغى ويطرح وهو المنكر من القول ونظيره قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=11لا تسمع فيها لاغية ) [ الغاشية : 11 ] وفيه تنبيه ظاهر على وجوب تجنب اللغو حيث نزه الله تعالى عنه الدار التي لا تكليف فيها وما أحسن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو مروا كراما ) [ الفرقان : 72 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) [ القصص : 55 ] أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62إلا سلاما ) ففيه بحثان :
البحث الأول : أن فيه إشكالا وهو أن السلام ليس من جنس اللغو فكيف استثنى السلام من اللغو ؟ والجواب عنه من وجوه :
أحدها : أن
nindex.php?page=treesubj&link=32061_18131معنى السلام هو الدعاء بالسلامة وأهل الجنة لا حاجة بهم إلى هذا الدعاء فكان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام .
وثانيها : أن يحمل ذلك على الاستثناء المنقطع .
وثالثها : أن يكون هذا من جنس قول الشاعر :
[ ص: 203 ] ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
البحث الثاني : أن ذلك السلام يحتمل أن يكون من سلام بعضهم على بعض أو من تسليم الملائكة ، أو من تسليم الله تعالى على ما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23والملائكة يدخلون عليهم من كل باب nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) [ الرعد : 23 - 24 ] وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سلام قولا من رب رحيم ) [ يس : 58 ] .
ورابعها : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ) وفيه سؤالان :
السؤال الأول : أن المقصود من هذه الآيات وصف الجنة بأحوال مستعظمة ، ووصول الرزق إليهم بكرة وعشيا ليس من الأمور المستعظمة . والجواب من وجهين :
الأول : قال
الحسن أراد الله تعالى أن يرغب كل قوم بما أحبوه في الدنيا ، ولذلك ذكر أساور من الذهب والفضة ولبس الحرير التي كانت عادة العجم والأرائك التي هي الحجال المضروبة على الأسرة ، وكانت من عادة أشراف العرب في
اليمن ، ولا شيء كان أحب إلى العرب من الغداء والعشاء فوعدهم بذلك .
الثاني : أن المراد دوام الرزق كما تقول أنا عند فلان صباحا ومساء وبكرة وعشيا تريد الدوام ولا تقصد الوقتين المعلومين .
السؤال الثاني : قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=13لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ) [ الإنسان : 13 ] وقال - عليه السلام - : "
لا صباح عند ربك ولا مساء " والبكرة والعشي لا يوجدان إلا عند وجود الصباح والمساء . والجواب المراد أنهم يأكلون عند مقدار الغداة والعشي إلا أنه ليس في الجنة غدوة وعشي إذ لا ليل فيها ويحتمل ما قيل أنه تعالى جعل لقدر اليوم علامة يعرفون بها مقادير الغداة والعشي ، ويحتمل أن يكون المراد لهم رزقهم متى شاءوا كما جرت العادة في الغداة والعشي .
وخامسها : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ) وفيه أبحاث :
الأول : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تلك الجنة ) هذه الإشارة إنما صحت ؛ لأن الجنة غائبة .
وثانيها : ذكروا في نورث وجوها :
الأول : نورث استعارة أي نبقي عليه الجنة كما نبقي على الوارث مال المورث .
الثاني : أن المراد أنا ننقل تلك المنازل ممن لو أطاع لكانت له إلى عبادنا الذين اتقوا ربهم فجعل هذا النقل إرثا قاله
الحسن .
الثالث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=30503_19863_19885_29680_30495الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة وقد انقضت أعمالهم وثمراتها باقية ، وهي الجنة فإذا أدخلهم الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يرث الوارث المال من المتوفى .
ورابعها : معنى من كان تقيا من تمسك باتقاء معاصيه وجعله عادته واتقى ترك الواجبات ، قال القاضي : فيه دلالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19863_30415_19885الجنة يختص بدخولها من كان متقيا ، والفاسق المرتكب للكبائر لا يوصف بذلك . والجواب : الآية تدل على أن المتقي يدخلها وليس فيها دلالة على أن غير المتقي لا يدخلها ، وأيضا فصاحب الكبيرة متق عن الكفر ، ومن صدق عليه أنه متق عن الكفر فقد صدق عليه أنه متق ؛ لأن المتقي جزء من مفهوم قولنا المتقي عن الكفر ، وإذا كان صاحب الكبيرة يصدق عليه أنه متق وجب أن يدخل تحته فالآية بأن تدل على أن صاحب الكبيرة يدخل الجنة أولى من أن تدل على أنه لا يدخلها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي التَّائِبِ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ
nindex.php?page=treesubj&link=30387_30391_30384وَصَفَ الْجَنَّةَ بِأُمُورٍ :
أَحَدُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ ) وَالْعَدْنُ الْإِقَامَةُ وَصَفَهَا بِالدَّوَامِ عَلَى خِلَافِ حَالِ الْجِنَانِ فِي الدُّنْيَا الَّتِي لَا تَدُومُ ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ حَالَهَا لَا يَتَغَيَّرُ فِي مَنَاظِرِهَا فَلَيْسَتْ كَجِنَانِ الدُّنْيَا الَّتِي حَالُهَا يَخْتَلِفُ فِي خُضْرَةِ الْوَرَقِ ، وَظُهُورِ النَّوْرِ ، وَالثَّمَرِ ، وَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهَا : "وَعْدُ الرَّحْمَنِ لِعِبَادِهِ " وَأَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61بِالْغَيْبِ ) فَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ[هُمْ إِيَّا]هَا وَهِيَ غَائِبَةٌ عَنْهُمْ غَيْرُ حَاضِرَةٍ أَوْ هُمْ غَائِبُونَ عَنْهَا لَا يُشَاهِدُونَهَا .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ
nindex.php?page=treesubj&link=29534_19696_19496وَعْدُ الرَّحْمَنِ لِلَّذِينِ يَكُونُونَ عِبَادًا بِالْغَيْبِ أَيِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَهُ فِي السِّرِّ بِخِلَافِ الْمُنَافِقِينَ فَإِنَّهُمْ يَعْبُدُونَهُ فِي الظَّاهِرِ ، وَلَا يَعْبُدُونَهُ فِي السِّرِّ وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي مُسْلِمٍ . وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَقْوَى ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ الْوَعْدَ مِنْهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ غَائِبٍ فَهُوَ كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ حَاصِلٌ ، لِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61مَأْتِيًّا ) فَقِيلَ إِنَّهُ مَفْعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ، وَالْوَجْهُ أَنَّ الْوَعْدَ هُوَ الْجَنَّةُ وَهُمْ يَأْتُونَهَا ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَيْكَ فَقَدْ وَصَلْتَ إِلَيْهِ ، وَمَا أَتَاكَ فَقَدْ أَتَيْتَهُ ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=61إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا ) بَيَانٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33678_29703_29710الْوَعْدَ مِنْهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرٍ غَائِبٍ فَهُوَ كَأَنَّهُ مَشَاهَدٌ وَحَاصِلٌ وَالْمُرَادُ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي الْقُلُوبِ .
وَثَانِيهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا )
nindex.php?page=treesubj&link=19136وَاللَّغْوُ مِنَ الْكَلَامِ مَا سَبِيلُهُ أَنْ يُلْغَى وَيُطْرَحَ وَهُوَ الْمُنْكَرُ مِنَ الْقَوْلِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=88&ayano=11لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً ) [ الْغَاشِيَةِ : 11 ] وَفِيهِ تَنْبِيهٌ ظَاهِرٌ عَلَى وُجُوبِ تَجَنُّبِ اللَّغْوِ حَيْثُ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الدَّارَ الَّتِي لَا تَكْلِيفَ فِيهَا وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) [ الْفُرْقَانِ : 72 ] ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=55وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) [ الْقَصَصِ : 55 ] أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62إِلَّا سَلَامًا ) فَفِيهِ بَحْثَانِ :
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ : أَنَّ فِيهِ إِشْكَالًا وَهُوَ أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اللَّغْوِ فَكَيْفَ اسْتَثْنَى السَّلَامَ مِنَ اللَّغْوِ ؟ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32061_18131مَعْنَى السَّلَامِ هُوَ الدُّعَاءُ بِالسَّلَامَةِ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا حَاجَةَ بِهِمْ إِلَى هَذَا الدُّعَاءِ فَكَانَ ظَاهِرُهُ مِنْ بَابِ اللَّغْوِ وَفُضُولِ الْحَدِيثِ لَوْلَا مَا فِيهِ مِنْ فَائِدَةِ الْإِكْرَامِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ .
وَثَالِثُهَا : أَنَّ يَكُونَ هَذَا مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الشَّاعِرِ :
[ ص: 203 ] وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
الْبَحْثُ الثَّانِي : أَنَّ ذَلِكَ السَّلَامَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ سَلَامِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ أَوْ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَلَائِكَةِ ، أَوْ مِنْ تَسْلِيمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=23وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=24سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) [ الرَّعْدِ : 23 - 24 ] وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=58سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) [ يس : 58 ] .
وَرَابِعُهَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=62وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا ) وَفِيهِ سُؤَالَانِ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَصْفُ الْجَنَّةِ بِأَحْوَالٍ مُسْتَعْظَمَةٍ ، وَوُصُولُ الرِّزْقِ إِلَيْهِمْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا لَيْسَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُسْتَعْظَمَةِ . وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الْحَسَنُ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُرَغِّبَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا أَحَبُّوهُ فِي الدُّنْيَا ، وَلِذَلِكَ ذَكَرَ أَسَاوِرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلُبْسَ الْحَرِيرِ الَّتِي كَانَتْ عَادَةَ الْعَجَمِ وَالْأَرَائِكَ الَّتِي هِيَ الْحِجَالُ الْمَضْرُوبَةُ عَلَى الْأَسِرَّةِ ، وَكَانَتْ مِنْ عَادَةِ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فِي
الْيَمَنِ ، وَلَا شَيْءَ كَانَ أَحَبَّ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ فَوَعَدَهُمْ بِذَلِكَ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ دَوَامُ الرِّزْقِ كَمَا تَقُولُ أَنَا عِنْدَ فُلَانٍ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَبُكْرَةً وَعَشِيًّا تُرِيدُ الدَّوَامَ وَلَا تَقْصِدُ الْوَقْتَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=13لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ) [ الْإِنْسَانِ : 13 ] وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : "
لَا صَبَاحَ عِنْدَ رَبِّكَ وَلَا مَسَاءَ " وَالْبُكْرَةُ وَالْعَشِيُّ لَا يُوجَدَانِ إِلَّا عِنْدَ وُجُودِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ . وَالْجَوَابُ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ عِنْدَ مِقْدَارِ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَنَّةِ غُدْوَةٌ وَعَشِيٌّ إِذْ لَا لَيْلَ فِيهَا وَيَحْتَمِلُ مَا قِيلَ أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لِقَدْرِ الْيَوْمِ عَلَامَةً يَعْرِفُونَ بِهَا مَقَادِيرَ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَهُمْ رِزْقُهُمْ مَتَى شَاءُوا كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ فِي الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ .
وَخَامِسُهَا : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا ) وَفِيهِ أَبْحَاثٌ :
الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=63تِلْكَ الْجَنَّةُ ) هَذِهِ الْإِشَارَةُ إِنَّمَا صَحَّتْ ؛ لِأَنَّ الْجَنَّةَ غَائِبَةٌ .
وَثَانِيهَا : ذَكَرُوا فِي نُورِثُ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : نُورِثُ اسْتِعَارَةٌ أَيْ نُبْقِي عَلَيْهِ الْجَنَّةَ كَمَا نُبْقِي عَلَى الْوَارِثِ مَالَ الْمُورِثِ .
الثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّا نَنْقُلُ تِلْكَ الْمَنَازِلَ مِمَّنْ لَوْ أَطَاعَ لَكَانَتْ لَهُ إِلَى عِبَادِنَا الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ فَجُعِلَ هَذَا النَّقْلُ إِرْثًا قَالَهُ
الْحَسَنُ .
الثَّالِثُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30503_19863_19885_29680_30495الْأَتْقِيَاءَ يَلْقَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدِ انْقَضَتْ أَعْمَالُهُمْ وَثَمَرَاتُهَا بَاقِيَةٌ ، وَهِيَ الْجَنَّةُ فَإِذَا أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ فَقَدْ أَوْرَثَهُمْ مِنْ تَقْوَاهُمْ كَمَا يَرِثُ الْوَارِثُ الْمَالَ مِنَ الْمُتَوَفَّى .
وَرَابِعُهَا : مَعْنَى مَنْ كَانَ تَقِيًّا مَنْ تَمَسَّكَ بِاتِّقَاءِ مَعَاصِيهِ وَجَعَلَهُ عَادَتَهُ وَاتَّقَى تَرْكَ الْوَاجِبَاتِ ، قَالَ الْقَاضِي : فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19863_30415_19885الْجَنَّةَ يَخْتَصُّ بِدُخُولِهَا مَنْ كَانَ مُتَّقِيًا ، وَالْفَاسِقُ الْمُرْتَكِبُ لِلْكَبَائِرِ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ . وَالْجَوَابُ : الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُتَّقِيَ يَدْخُلُهَا وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمُتَّقِي لَا يَدْخُلُهَا ، وَأَيْضًا فَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ مُتَّقٍ عَنِ الْكُفْرِ ، وَمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّقٍ عَنِ الْكُفْرِ فَقَدْ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّقٍ ؛ لِأَنَّ الْمُتَّقِيَ جُزْءٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِنَا الْمُتَّقِي عَنِ الْكُفْرِ ، وَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُتَّقٍ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ فَالْآيَةُ بِأَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا .