الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : احتجوا بهذه الآية على أنه لا يجوز أخذ الأجرة على التعليم ؛ لأن الآية لما دلت على وجوب ذلك التعليم كان أخذ الأجرة عليه أخذا للأجرة على أداء الواجب ، وأنه غير جائز ، ويدل عليه أيضا قوله تعالى : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ) [ البقرة : 174 ] وظاهر ذلك يمنع أخذ الأجرة على الإظهار وعلى الكتمان جميعا ؛ لأن قوله : ( ويشترون به ثمنا قليلا ) مانع أخذ البدل عليه من جميع الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( من بعد ما بيناه للناس في الكتاب ) قبل في التوراة والإنجيل من صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومن الأحكام ، وقيل : أراد بالمنزل الأول ما في كتب المتقدمين ، والثاني : ما في القرآن .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( أولئك يلعنهم الله ) فاللعنة في أصل اللغة هي الإبعاد ، وفي عرف الشرع الإبعاد من الثواب .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( ويلعنهم اللاعنون ) فيجب أن يحمل على من للعنته تأثير ، وقد اتفقوا على أن الملائكة والأنبياء والصالحين كذلك فهم داخلون تحت هذا العموم لا محالة ، ويؤكده قوله تعالى : ( إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) [ البقرة : 161 ] والناس ذكروا وجوها أخر : أحدها : أن اللاعنين هم دواب الأرض وهوامها ، فإنها تقول : منعنا القطر بمعاصي بني آدم عن مجاهد ، وعكرمة ، وإنما قال : ( اللاعنون ) ولم يقل اللاعنات لأنه تعالى وصفها بصفة من يعقل ، فجمعها جمع من يعقل كقوله : ( والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) [ يوسف : 4 ] و ( ياأيها النمل ادخلوا مساكنكم ) [ النمل : 18 ] ، ( وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا ) [ فصلت : 21 ] ، ( وكل في فلك يسبحون ) [ يس : 40 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : كل شيء سوى الثقلين الجن والإنس ، فإن قيل : كيف يصح اللعن من البهائم والجمادات ؟ قلنا : على وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : على سبيل المبالغة ، وهو أنها لو كانت عاقلة لكانت تلعنهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنها في الآخرة إذا أعيدت وجعلت من العقلاء فإنها تلعن من فعل ذلك في الدنيا ومات عليه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن أهل النار يلعنونهم أيضا حيث كتموهم الدين ، فهو على العموم .

                                                                                                                                                                                                                                            ورابعها : قال ابن مسعود : إذا تلاعن المتلاعنان وقعت اللعنة على المستحق ، فإن لم يكن مستحق رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله سبحانه وتعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            وخامسها : عن ابن عباس : إن لهم لعنتين : لعنة الله ، ولعنة الخلائق . قال : وذلك إذا وضع الرجل في قبره فيسأل : ما دينك ؟ ومن نبيك ؟ ومن ربك ؟ فيقول : ما أدري فيضرب ضربة يسمعها كل شيء إلا الثقلين الإنس والجن ، فلا يسمع شيء صوته إلا لعنه ، ويقول له الملك : لا دريت ولا تليت ، كذلك كنت في الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            وسادسها : قال أبو مسلم : ( اللاعنون ) هم الذين آمنوا به ، ومعنى اللعن منهم : مباعدة [ ص: 150 ] الملعون ومشاقته ومخالفته مع السخط عليه والبراءة منه . قال القاضي : دلت الآية على أن هذا الكتمان من الكبائر ؛ لأنه تعالى أوجب فيه اللعن ، ويدل على أن أحدا من الأنبياء لم يكتم ما حمل من الرسالة وإلا كان داخلا في الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية