الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( nindex.php?page=treesubj&link=1492_1423_1044_1289_1312_1906_853_1274_1278_25891ولا يكره في هذه الأوقات ما لها سبب كقضاء الفائتة ، والصلاة المنذورة وسجود التلاوة ، وصلاة الجنازة ، وما أشبهها ; لما روي عن قيس بن قهد رضي الله عنه قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=18994رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال ما هاتان الركعتان ؟ فقلت لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان } " فإن دخل المسجد في هذه الأوقات ليصلي التحية لا لحاجة غيرها ففيه وجهان : ( أحدهما ) : يصلي ; لأنه وجد سبب الصلاة ، وهو الدخول ( والثاني ) : لا يصلي ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=29981لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها } " وهذا يتحرى بصلاته طلوع الشمس وغروبها )
( الشرح ) حديث قيس بن قهد ، بقاف مفتوحة ثم هاء ساكنة ثم دال ، رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وغيرهم ، وإسناده ضعيف فيه انقطاع ، قال الترمذي : الأصح أنه مرسل ، وروي عن قيس بن قهد كما ذكره المصنف ، ورواه أبو داود والأكثرون : قيس بن عمرو وهو الصحيح عند جمهور أئمة الحديث وقد أشرت إلى ذلك في تهذيب الأسماء ، وكيف كان ؟ فمتن الحديث ضعيف عند أهل الحديث ويغني عنه ما سنذكره من الأحاديث الصحيحة في فرع مذاهب العلماء إن شاء الله - تعالى .
وأما حديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=29981لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها } " فرواه [ ص: 78 ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أما حكم المسألة ) فمذهبنا : أن النهي عن الصلاة في هذه الأوقات إنما هو عن صلاة لا سبب لها ، فأما ما لها سبب فلا كراهة فيها ، والمراد بذات السبب التي لها سبب متقدم عليها ، فمن ذوات الأسباب : الفائتة فريضة كانت أو نافلة إذا قلنا بالأصح أنه يسن قضاء النوافل فله في هذه الأوقات قضاء الفرائض والنوافل الراتبة وغيرها ، وقضاء نافلة اتخذها وردا ، وله فعل المنذورة ، وصلاة الجنازة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الكسوف وصلاة الطواف ولو توضأ في هذه الأوقات فله أن يصلي ركعتي الوضوء ، صرح به جماعة من أصحابنا منهم الرافعي ، ويكره فيها صلاة الاستخارة صرح به البغوي وغيره ، وتكره ركعتا الإحرام بالحج على أصح الوجهين ، وبه قطع الجمهور ; لأن سببهما متأخر ، وبه قطع البندنيجي في كتاب الحج ( والثاني ) : لا يكره حكاه البغوي وغيره ; لأن سببهما إرادة الإحرام وهو متقدم ، وهذا الوجه قوي .
وفي صلاة الاستسقاء وجهان للخراسانيين ( أصحهما ) : لا يكره ، وحكاه الإمام والغزالي في البسيط عن الأكثرين ، وقطع به nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب في تعليقه والعبدري ; لأن سببها متقدم ( والثاني ) : تكره كصلاة الاستخارة ، وهكذا عللوه ، قال الرافعي : وقد يمنع الأول كراهة صلاة الاستخارة ، وأما تحية المسجد فقال أصحابنا : إن دخله لغرض كاعتكاف أو لطلب علم أو انتظار صلاة ونحو ذلك من الأغراض صلى التحية ، وإن دخله لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط فوجهان : ( أرجحهما ) الكراهة ، كما لو تعمد تأخير الفائتة ليقضيها في هذه الأوقات فإنه يكره لقوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=29981لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ، ولا غروبها } " ( والثاني ) : لا يكره واختاره الإمام والغزالي في البسيط وحكى صاحب البيان وغيره وجها في كراهة تحية المسجد في هذه الأوقات من غير تفصيل ، وهذا غلط نبهت عليه لئلا يغتر به وقد حكاه الصيدلاني وإمام الحرمين والغزالي في البسيط عن أبي عبد الله الزبيري ، واتفقوا على أنه غلط
( فرع ) لو nindex.php?page=treesubj&link=1104_1492_1423_25891_1493_1495فاتته راتبة أو نافلة اتخذها وردا فقضاها في هذه الأوقات [ ص: 79 ] فهل له المداومة على مثلها في وقت الكراهة ؟ فيه وجهان حكاهما الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد والبندنيجي والقاضي nindex.php?page=showalam&ids=11872أبو الطيب والمتولي وغيرهم ( أحدهما ) : نعم حكاه nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد عن nindex.php?page=showalam&ids=11817أبي إسحاق المروزي للحديث الصحيح { nindex.php?page=hadith&LINKID=5835أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاته ركعتا سنة الظهر فقضاهما بعد العصر وداوم عليهما بعد العصر } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وأصحهما : لا .
وتلك الصلاة من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم وممن صححه الشيخ nindex.php?page=showalam&ids=11976أبو حامد .
( فرع ) في مذاهب العلماء في جواز الصلاة التي لها سبب في هذه الأوقات : قد ذكرنا أن مذهبنا أنها لا تكره ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=15والزبير بن العوام وابنه nindex.php?page=showalam&ids=50وأبو أيوب nindex.php?page=showalam&ids=114والنعمان بن بشير nindex.php?page=showalam&ids=155وتميم الداري وعائشة رضي الله عنهم .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يجوز شيء من ذلك ووافقنا جمهور الفقهاء في إباحة الفوائت في هذه الأوقات ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : تباح الفوائت بعد الصبح والعصر ، ولا تباح في الأوقات الثلاثة إلا عصر يومه فتباح عند اصفرار الشمس ، وتباح المنذورة في هذه الأوقات عندنا ، ولا تباح عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : وأجمع المسلمون على إباحة صلاة الجنائز بعد الصبح والعصر ونقل العبدري في كتاب الجنائز عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق أن nindex.php?page=treesubj&link=1044صلاة الجنازة منهي عنها عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، وعند استوائها ، ولا تكره في الوقتين الآخرين ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض في شرح صحيح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=15858داود الظاهري أنه أباح الصلاة لسبب وبلا سبب في جميع الأوقات ، والمشهور من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=15858داود منع الصلاة في هذه الأوقات ، سواء ما لها سبب وما لا سبب لها ، وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990لأبي حنيفة وموافقيه بعموم الأحاديث الصحيحة في النهي .
واحتج أصحابنا بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=37499من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، وهذا لفظ nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وعن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=21052صلى ركعتين بعد العصر فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية سألت عن الركعتين [ ص: 80 ] بعد العصر إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن اللتين بعد الظهر فهما هاتان الركعتان بعد العصر } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=20826صلاتان لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية ، ركعتان قبل صلاة الصبح وركعتان بعد صلاة العصر } " رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم وعن يزيد بن الأسود رضي الله عنه قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=20633شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجته وصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف ، فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في آخر القوم لم يصليا معه ، قال : علي بهما ، فجيء بهما ترعد فرائصهما قال : ما منعكما أن تصليا معنا ؟ فقالا : يا رسول الله إنا قد كنا صلينا في رحالنا قال : فلا تفعلا فإذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة } " رواه أبو داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي وغيرهم ، قال الترمذي : حديث حسن صحيح .
والجواب عن أحاديث النهي أنها عامة ، وهذه خاصة ، والخاص مقدم على العام سواء تقدم عليه أو تأخر ، فإن قيل : لا حجة في حديثي nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ; لأن هذه المداومة على الصلاة بعد العصر مخصوصة بالنبي صلى الله عليه وسلم قلنا : في المسألة وجهان لأصحابنا سبقا ( أحدهما ) : جواز مثل هذا لكل أحد ( وأصحهما ) : لا تباح المداومة لغير النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم في أول يوم والله أعلم .
( فرع ) في بيان حديثين يستشكل الجمع بينهما وهما حديث النهي عن nindex.php?page=treesubj&link=1493_1495_1278الصلاة بعد الصبح والعصر وغيرهما مع حديث : { nindex.php?page=hadith&LINKID=9924إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين } " فإذا nindex.php?page=treesubj&link=1278_1274_1275_987دخل المسجد في بعض هذه الأوقات فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يستحب أن يصلي تحية المسجد للحديث فيها ، والجواب عن أحاديث النهي أنها مخصوصة كما سبق فإن قيل : حديث النهي عام في الصلوات خاص في بعض الأوقات وحديث التحية عام في الأوقات خاص في بعض الصلوات فلم رجحتم تخصيص حديث النهي دون تخصيص حديث التحية ؟ قلنا : حديث النهي دخله التخصيص بالأحاديث التي ذكرناها في صلاة العصر وصلاة الصبح ، وبالإجماع الذي نقلناه في صلاة الجنازة .
وأما حديث [ ص: 81 ] تحية المسجد فهو على عمومه لم يأت له مخصص .
ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الداخل يوم الجمعة في حال الخطبة بالتحية بعد أن قعد .
ولو كانت التحية تترك في وقت لكان هذا الوقت ; لأنه يمنع في حال الخطبة من الصلاة إلا التحية ، ولأنه تكلم في الخطبة وبعد أن قعد الداخل ، وكل هذا مبالغة في تعميم التحية .
( فرع ) عن وهب بن الأجدع عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=30347لا تصلوا بعد العصر إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة } " وفي رواية ( نقية ) رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن وظاهره يخالف الأحاديث الصحيحة في تعميم النهي من حين صلاة العصر إلى غروب الشمس ويخالف أيضا ما عليه مذاهب جماهير العلماء وجوابه مر .