الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 879 ) مسألة : قال : ( وإذا حضرت الصلاة ، وهو يحتاج إلى الخلاء ، بدأ بالخلاء ) يعني إذا كان حاقنا كرهت له الصلاة حتى يقضي حاجته ، سواء خاف فوات الجماعة أو لم يخف . لما ذكرنا من حديث عائشة ، وروى ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن ، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حاقن } . قال الترمذي : هذا حديث حسن .

                                                                                                                                            والمعنى في ذلك أن يقوم إلى الصلاة وبه ما يشغله عن خشوعها . وحضور قلبه فيها ، فإن خالف وفعل ، صحت صلاته في هذه المسألة وفي التي قبلها وقال ، ابن أبي موسى : إن كان به من مدافعة الأخبثين ما يزعجه ويشغله عن الصلاة ، أعاد ، في الظاهر من قوله . لظاهر الحديثين . اللذين رويناهما ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى . وقال ابن عبد البر في حديث ثوبان : لا يقوم به حجة عند أهل العلم بالحديث ، فهذان من الأعذار التي يعذر بها في ترك الجماعة والجمعة ، لعموم اللفظ ; فإن قوله : { وأقيمت الصلاة } . عام في كل صلاة ، وقوله : " لا صلاة " عام أيضا .

                                                                                                                                            ( 880 ) فصل : ويعذر في تركهما المريض في قول عامة أهل العلم .

                                                                                                                                            قال ابن المنذر : لا أعلم خلافا بين أهل العلم ، أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض ، وقد روى ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 365 ] قال : { من سمع النداء فلم يمنعه من اتباعه عذر . قالوا : وما العذر يا رسول الله ؟ قال : خوف أو مرض . لم تقبل منه الصلاة التي صلى } . رواه أبو داود . وقد { كان بلال يؤذن بالصلاة ثم يأتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض فيقول : مروا أبا بكر فليصل بالناس } .

                                                                                                                                            ( 881 ) فصل : ويعذر في تركهما الخائف ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { العذر خوف أو مرض } والخوف ، ثلاثة أنواع ; خوف على النفس ، وخوف على المال ، وخوف على الأهل . فالأول ، أن يخاف على نفسه سلطانا ، يأخذه أو عدوا ، أو لصا ، أو سبعا ، أو دابة ، أو سيلا ، ونحو ذلك ، مما يؤذيه في نفسه ، وفي معنى ذلك . أن يخاف غريما له يلازمه ولا شيء معه يوفيه ، فإن حبسه بدين هو معسر به ظلم له ، فإن كان قادرا على أداء الدين لم يكن عذرا له ، لأنه يجب إيفاؤه . وكذلك إن وجب عليه حد لله تعالى أو حد قذف ، فخاف أن يؤخذ به ، لم يكن عذرا ، لأنه يجب إيفاؤه وهكذا إن تأخر عليه قصاص ، لم يكن له عذر في التخلف من أجله . وقال القاضي : إن كان يرجو الصلح على مال فله التخلف ، حتى يصالح ، بخلاف الحدود ، فإنها لا تدخلها المصالحة ولا العفو .

                                                                                                                                            وحد العفو أن يرجى العفو عنه ، فليس يعذر في التخلف ; لأنه يرجو إسقاطه بغير بدل ويعذر في تركهما بالمطر . الذي يبل الثياب ، والوحل الذي يتأذى به في نفسه وثيابه ; قال : عبد الله بن عباس لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت : أشهد أن محمدا رسول الله . فلا تقل : حي على الصلاة . وقل : صلوا في بيوتكم . قال : فكأن الناس استنكروا ذلك ، فقال ابن عباس : أتعجبون من ذلك ، لقد فعل ذلك من هو خير مني ، إن الجمعة عزمة ، وإني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض . متفق عليه

                                                                                                                                            ويعذر في ترك الجماعة بالريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة وقد روى ابن ماجه عن ، ابن عمر قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادي مناديه في الليلة المطيرة أو الليلة الباردة . صلوا في رحالكم } وإسناده صحيح ورواه أبو داود ، ونحوه واتفق عليه البخاري ، ومسلم إلا أن فيه : في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر وروى أبو المليح أنه { شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية يوم جمعة ، وأصابهم مطر لم يبتل أسفل نعالهم فأمرهم أن يصلوا في رحالهم } رواه أبو داود ويعذر أيضا من يريد سفرا ، ويخاف فوات رفقته . النوع الثاني : الخوف على ماله ; بخروجه مما ذكرناه من السلطان واللصوص وأشباههما ، أو يخاف أن يسرق منزله أو يحرق أو شيء منه أو يكون له خبز في التنور ، أو طبيخ على النار يخاف حريقه باشتغاله عنه أو يكون له غريم إن ترك ملازمته ذهب بماله ، أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل إن لم يدركه ذهب .

                                                                                                                                            فهذا وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعات ; النوع الثالث : الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا ، أو يكون ولده ضائعا فيرجو وجوده في تلك الحال أو يكون له قريب يخاف إن تشاغل بهما مات فلم يشهده . قال ابن المنذر ثبت أن ابن عمر استصرخ على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى فأتاه بالعقيق وترك الجمعة . وهذا مذهب عطاء ، والحسن ، والأوزاعي ، والشافعي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية