الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 360 ] ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعو من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين

                                                                                                                                                                                                "بالكتاب" بالقرآن وبما أرسلنا به رسلنا من الكتب. فإن قلت: وهل قوله: فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم إلى مثل قولك: سوف أصوم أمس؟ قلت: المعنى على إذا: إلا أن الأمور المستقبلة لما كانت في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعا بها: عبر عنها بلفظ ما كان ووجد، والمعنى على الاستقبال. وعن ابن عباس : والسلاسل يسحبون بالنصب وفتح الياء على عطف الجملة الفعلية على الاسمية. وعنه: والسلاسل يسحبون بحر السلاسل. ووجهه أنه لو قيل: إذا أعناقهم في الأغلال مكان قوله: إذ الأغلال في أعناقهم لكان صحيحا مستقيما، فلما كانتا عبارتين معتقبتين: حمل قوله: "والسلاسل" على العبارة الأخرى. ونظيره [من الطويل]:

                                                                                                                                                                                                مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها

                                                                                                                                                                                                كأنه قيل: بمصلحين. وقرئ: (وبالسلاسل يسحبون) في النار يسجرون من سجر التنور إذا ملأه بالوقود. ومنه: السجير، كأنه سجر بالحب، أي: مليء. ومعناه: أنهم في النار فهي محيطة بهم، وهم مسجورون بالنار مملوءة بها أجوافهم. ومنه قوله تعالى: نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة [الهمزة: 6- 7] اللهم أجرنا من نارك فإنا عائذون بجوارك. ضلوا عنا غابوا عن عيوننا، فلا نراهم ولا ننتفع بهم. فإن قلت: أما ذكرت في تفسير قوله تعالى: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم [الأنبياء: 98]: أنهم مقرونون بآلهتهم، فكيف يكونون معهم وقد ضلوا عنهم؟ قلت: يجوز أن يضلوا عنهم إذا وبخوا وقيل لهم: أين ما كنتم تشركون من دون الله فيغيثوكم ويشفعوا لكم، وأن يكونوا معهم في سائر الأوقات، وأن يكونوا معهم في جميع أوقاتهم; إلا [ ص: 361 ] أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم ضالون عنهم. بل لم نكن ندعو من قبل شيئا أي: تبين لنا أنهم لم يكونوا شيئا، وما كان نعبد بعبادتهم شيئا كما تقول: حسبت أن فلانا شيء فإذا هو ليس بشيء إذا خبرته فلم تر عنده خيرا. كذلك يضل الله الكافرين مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم، حتى لو طلبوا الآلهة أو طلبتهم الآلهة لم يتصادفوا. "ذلكم" الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح. بغير الحق وهو الشرك وعبادة الأوثان. ادخلوا أبواب جهنم السبعة المقسومة لكم. قال الله تعالى: لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم [الحجر: 44]. "خالدين" مقدرين لخلود فبئس مثوى المتكبرين عن الحق المستخفين به مثواكم أو جهنم. فإن قلت: أليس قياس النظم أن يقال: فبئس مدخل المتكبرين، كما تقول: زر بيت الله فنعم المزار، وصل في المسجد الحرام فنعم المصلى؟ قلت: الدخول المؤقت بالخلود في معنى الثواء.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية