الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                [ ص: 272 ] وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنـزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنـزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون

                                                                                                                                                                                                "القرية": بيت المقدس، وقيل: أريحاء من قرى الشام، أمروا بدخولها بعد التيه، "الباب": باب القرية، وقيل: هو باب القبة التي كانوا يصلون إليها وهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى - عليه الصلاة والسلام - أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا، وقيل: "السجود": أن ينحنوا ويتطامنوا داخلين؛ ليكون دخولهم بخشوع وإخبات، وقيل: طوطئ لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فلم يخفضوها، ودخلوا متزحفين على أوراكهم "حطة": فعلة من الحط كالجلسة والركبة، وهي خبر مبتدأ محذوف، أي مسألتنا حطة، أو أمرك حطة، والأصل: النصب بمعنى: حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات، كقوله [من الرجز]:


                                                                                                                                                                                                صبر جميل فكلانا مبتلى!



                                                                                                                                                                                                والأصل: صبرا، على اصبر صبرا، وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب على الأصل، وقيل: معناه: أمرنا حطة، أي أن نحط في هذه القرية ونستقر فيها.

                                                                                                                                                                                                فإن قلت: هل يجوز أن تنصب (حطة) في قراءة من نصبها بـ"قولوا" على معنى: قولوا هذه الكلمة؟ قلت: لا يبعد، والأجود أن تنصب بإضمار فعلها، وينتصب محل ذلك المضمر بـ"قولوا"، وقرئ: (يغفر لكم): على البناء للمفعول بالياء والتاء، وسنزيد المحسنين : أي من كان محسنا منكم، كانت تلك الكلمة سببا في زيادة ثوابه، ومن كان مسيئا كانت له توبة ومغفرة، فبدل الذين ظلموا أي: وضعوا مكان (حطة) "قولا": غيرها، يعني: أنهم أمروا [ ص: 273 ] بقول معناه التوبة والاستغفار، فخالفوه إلى قول ليس معناه ما أمروا به، ولم يمتثلوا أمر الله، وليس الغرض أنهم أمروا بلفظ بعينه وهو لفظ الحطة فجاءوا بلفظ آخر; لأنهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به، كما لو قالوا مكان (حطة): نستغفرك ونتوب إليك، أو اللهم اعف عنا، وما أشبه ذلك، وقيل: قالوا مكان (حطة): حنطة، وقيل: قالوا بالنبطية: "حطا سمقاثا"، أي: حنطة حمراء، استهزاء منهم بما قيل لهم، وعدولا عن طلب ما عند الله إلى طلب ما يشتهون من أغراض الدنيا، وفي تكرير: ( الذين ظلموا ) : زيادة في تقبيح أمرهم، وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم، وقد [ ص: 274 ] جاء في سورة الأعراف: فأرسلنا عليهم [الأعراف: 133] على الإضمار، والرجز: العذاب، وقرئ -بضم الراء- وروي أنه مات منهم في ساعة بالطاعون أربعة وعشرون ألفا، وقيل: سبعون ألفا.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية