الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم روي عن الحسن أنه خطاب لليهود والنصارى ؛ لأن النصارى غلت [ ص: 282 ] في المسيح فجاوزوا به منزلة الأنبياء حتى اتخذوه إلها ، واليهود غلت فيه فجعلوه لغير رشدة ، فغلا الفريقان جميعا في أمره . والغلو في الدين هو مجاوزة حد الحق فيه . وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أن يناوله حصيات لرمي الجمار ، قال : فناولته إياها مثل حصا الخذف فجعل يقلبهن بيده ويقول بمثلهن بمثلهن إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من قبلكم بالغلو في دينهم ؛ ولذلك قيل دين الله بين المقصر والغالي .

قوله تعالى : وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه قيل في وصف المسيح بأنه كلمة الله ثلاثة أوجه :

أحدها ما روي عن الحسن وقتادة أنه كان عيسى بكلمة الله ، وهو قوله : كن فيكون لا على سبيل ما أجرى العادة به من حدوثه من الذكر والأنثى جميعا .

والثاني : أنه يهتدى به كما يهتدى بكلمة الله .

والثالث : ما تقدم من البشارة به في الكتب المتقدمة التي أنزلها الله تعالى على أنبيائه .

وأما قوله تعالى : وروح منه فلأنه كان بنفخة جبريل بإذن الله ، والنفخ يسمى روحا ، كقول ذي الرمة :

فقلت له ارفعها إليك وأحيها بروحك واقتته لها قيتة قدرا

أي بنفخك . وقيل : إنما سماه روحا ؛ لأنه يحيي الناس به كما يحيون بالأرواح ؛ ولهذا المعنى سمى القرآن روحا في قوله : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا وقيل : لأنه روح من الأرواح كسائر أرواح الناس ، وأضافه الله تعالى إليه تشريفا له ، كما يقال : بيت الله ، وسماء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية