الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل شيخ الإسلام رحمه الله إذا سافر إنسان سفرا مقدار ثلاثة أيام أو ثلاثة فراسخ هل يباح له الجمع والقصر أم لا ؟

                التالي السابق


                فأجاب : وأما الجمع والقصر في السفر القصير ففيه ثلاثة أقوال ; بل أربعة ; بل خمسة في مذهب أحمد .

                [ ص: 14 ] أحدها : أنه لا يباح لا الجمع ولا القصر .

                والثاني : يباح الجمع دون القصر .

                والثالث : يباح الجمع بعرفة ومزدلفة خاصة للمكي وإن كان سفره قصيرا .

                والرابع : يباح الجمع والقصر بعرفة ومزدلفة .

                والخامس : يباح ذلك مطلقا . والذي يجمع للسفر هل يباح له الجمع مطلقا أو لا يباح إلا إذا كان مسافرا ؟ فيه روايتان عن أحمد مقيما أو مسافرا ولهذا نص أحمد على أنه يجمع إذا كان له شغل . قال القاضي أبو يعلى كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة يبيح الجمع ولهذا يجمع للمطر والوحل وللريح الشديدة الباردة ; في ظاهر مذهب الإمام أحمد ويجمع المريض والمستحاضة والمرضع فإذا جد السير بالمسافر جمع سواء كان سفره طويلا أو قصيرا كما مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . يجمع الناس بعرفة ومزدلفة المكي وغير المكي مع أن أهل مكة سفرهم قصير .

                وكذلك جمع صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون بعرفة ومزدلفة ومتى قصروا يقصر خلفهم أهل مكة وغير أهل مكة وعرفة من مكة [ ص: 15 ] بريد أربعة فراسخ ; ولهذا قال مالك وبعض أصحاب أحمد كأبي الخطاب في العبادات الخمس : إن أهل مكة يقصرون بعرفة ومزدلفة وهذا القول هو الصواب وإن كان المنصوص عن الأئمة الثلاثة بخلافه : أحمد والشافعي وأبي حنيفة .

                ولهذا قال طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم أنه يقصر في السفر الطويل والقصير ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوقت للقصر مسافة ولا وقتا وقد قصر خلفه أهل مكة بعرفة ومزدلفة وهذا قول كثير من السلف والخلف وهو أصح الأقوال في الدليل . ولكن لا بد أن يكون ذلك مما يعد في العرف سفرا . مثل أن يتزود له ويبرز للصحراء فأما إذا كان في مثل دمشق وهو ينتقل من قراها الشجرية من قرية إلى قرية كما ينتقل من الصالحية إلى دمشق فهذا ليس بمسافر كما أن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم قباء وغير قباء ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرا ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك فإن الله تعالى قال : { وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة } فجميع الأبنية تدخل في مسمى المدينة وما خرج عن أهلها فهو من الأعراب أهل العمود . والمنتقل من المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر ولا يقصر الصلاة ولكن هذه مسائل اجتهاد [ ص: 16 ] فمن فعل منها بقول بعض العلماء لم ينكر عليه ولم يهجر .

                وهكذا اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نية ؟ فالجمهور لا يشترطون النية كمالك وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب أحمد وهو مقتضى نصوصه .

                والثاني : تشترط . كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقي وغيره والأول أظهر ومن عمل بأحد القولين لم ينكر عليه .




                الخدمات العلمية