الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن بريدة قال : جاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا سلمان ؟ قال صدقة عليك وعلى أصحابك ، قال ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة فرفعها وجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه فقال ما هذا يا سلمان ؟ قال صدقة عليك وعلى أصحابك ، قال ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة فجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه يحمله فقال ما هذا يا سلمان ، فقال هدية لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انشطوا قال فنظر إلى الخاتم الذي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به وكان لليهود فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس نخلا فيعمل سلمان فيها حتى تطعم قال فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن هذه ؟ قال عمر أنا غرستها يا رسول الله قال فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غرسها فحملت من عامها رواه الترمذي في الشمائل .

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 36 ] الحديث الثاني : وعن بريدة قال جاء سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب فوضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا يا سلمان ؟ قال صدقة عليك وعلى أصحابك ، قال ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة فرفعها وجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه فقال ما هذا يا سلمان ؟ قال صدقة عليك وعلى أصحابك قال ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة فجاء من الغد بمثله فوضعه بين يديه يحمله فقال ما هذا يا سلمان ؟ فقال هدية لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انشطوا قال فنظر إلى الخاتم الذي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمن به ، وكان لليهود فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس نخلا فيعمل سلمان فيها حتى تطعم قال فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر فحملت النخل من عامها ولم تحمل النخلة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شأن هذه ؟ قال عمر أنا غرستها يا رسول الله ، قال فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم غرسها فحملت من عامها رواه الترمذي في الشمائل (فيه) فوائد . (الأولى) رواه الترمذي في الشمائل من طريق علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وليس في روايته [ ص: 37 ] مجيئه بمثله ثاني يوم ، وقوله إنه صدقة بل اقتصر على مرتين وقال في الثانية إنها هدية والزيادة من الثقة مقبولة وزيد بن الحباب ثقة حافظ .

                                                            (الثانية) قال في الصحاح : مادهم يميدهم لغة في مارهم من الميرة ومنه المائدة وهي خوان عليه طعام فإذا لم يكن عليه طعام فليس بمائدة وإنما هو خوان .

                                                            قال أبو عبيدة : مائدة فاعلة بمعنى مفعولة مثل عيشة راضية بمعنى مرضية وقال في المحكم المائدة الطعام نفسه وإن لم يكن هناك خوان وقيل هي نفس الخوان قال الفارسي لا تسمى مائدة حتى يكون عليها طعام وإلا فهي خوان انتهى .

                                                            وهذا الحديث يرد تفسير المائدة بالطعام نفسه .

                                                            (الثالثة) في هذه الرواية أن هدية سلمان كانت رطبا وفي رواية أخرى أنها تمر رواها الطبراني في معجمه الكبير من حديث سلمان من طريقين في إحداهما ضعيف وفي الأخرى مجهول وفي رواية أخرى عن سلمان أيضا فاحتطبت حطبا فبعته فصنعت طعاما فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد والبزار في مسنديهما بإسناد جيد وفي رواية عنه فاشتريت لحم جذور بدرهم ثم طبخته فجعلت قصعة من ثريد فاحتملتها حتى أتيته بها على عاتقي حتى وضعتها بين يديه رواه الطبراني بإسناد جيد ولعل الهدية كانت [ ص: 38 ] طعاما ورطبا فالإسناد بها صحيح وأما رواية التمر فضعيفة كما تقدم .

                                                            (الرابعة) ظاهر هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام لما ذكر له سلمان أنها صدقة لم يأكلها هو ولا أصحابه لكن المعروف أنه عليه الصلاة والسلام قال لأصحابه كلوا وأمسك يده فلم يأكل رواه الإمام أحمد في مسنده والطبراني في معجمه وغيرهما من طرق عديدة وهو أصح ويحتمل أن يكون قوله ارفعها أي عني لا مطلقا .

                                                            (الخامسة) هذا الذي في هذه الرواية من أنه جاءه بصدقة مرتين تقدم أنه ليس في رواية الترمذي في الشمائل من هذا الوجه ولا رأيته في شيء من الروايات ، فإن صح فكأنه قصد بتكرير ذلك أن يتأكد عنده العلم بأنه لا يأكل الصدقة ولم يحتج إلى تكرير الهدية ؛ لأن الذي من خصائصه الامتناع من أكل الصدقة أما أكل الهدية فمشترك بينه وبين غيره وإنما يحرم قبول الهدية لعارض والله أعلم .



                                                            (السادسة) فيه تحريم صدقة التطوع على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصحيح المشهور المنصور ، وقد تقدم ذكره في الحديث الذي قبله ، ومن يقول بإباحتها له يقول لا يلزم من امتناعه من أكلها تحريم وكذا قوله إنا لا نأكل الصدقة ليس فيه ما يدل على تحريم ذلك فلعله يترك ذلك تنزها عنه مع إباحته له ، وهذا خلاف ظاهر الحديث وعلى كل حال ففيه أن من خصائصه عليه الصلاة والسلام الامتناع عن أكل الصدقة إما وجوبا وإما تنزها .



                                                            (السابعة) فيه الفرق بين الصدقة والهدية وأنهما حقيقتان متغايرتان ، وقد ذكر أصحابنا الشافعية في الفرق بينهما أنه يعتبر في الهدية حملها إلى مكان المهداة له إعظاما له وإكراما وأنه يعتبر في الصدقة تمليك المحتاج تقربا إلى الله تعالى وطلبا لثواب الآخرة مع اشتراكهما في أن كلا منهما تمليك بلا عوض ، وقد اعترض بعض شيوخنا تقييد الصدقة بالاحتياج وقال : إن الإعطاء بقصد التقرب صدقة سواء كان لغني أو فقير كما هو مقرر في موضعه ؛ وصرح النووي في شرح المهذب بنفي الخلاف في ذلك وبحصول الثواب في إعطاء الغني ، ولك أن تقول كيف تتحقق المنافاة بينهما مع إمكان اجتماع الأمرين أعني حملها إلى مكان المهداة له على سبيل التعظيم له والإكرام ، وكون الإعطاء بقصد التقرب إلى الله تعالى لا لاستمالة ذلك المعطى بل هذا [ ص: 39 ] أبلغ في التقرب إلى الله تعالى وهو تهيئة العطية للفقير وإراحته من التعب والحمل وأبعد عن كسر نفسه بمجيئه إلى باب المتصدق فيتهنأ وينحفظ عليه صوته ، وقد يقال هما أمران متنافيان فإنه إذا كان القصد التقرب إلى الله تعالى فلا نظر إلى خصوصية شخص بعينه حتى يعظم ويكرم بل القصد إرفاق المتصدق عليه كائنا من كان وفي تعظيم المهدى له ما ينافي قصد التقرب بإعطائه وهو النظر إلى خصوصيته فلا يجتمع قصد التقرب مع النظر إلى شخص بخصوصه ، فإن اجتمعا كان من باب التشريك في العبادة ويبقى النظر والحكم للداعية القوية التي هي بحيث لو فقدت لم توجد تلك العطية ، فإن قلت ففي الحديث كل معروف صدقة رواه الطبراني في معجمه من حديث بلال ، وهذا يقتضي صدق اسم الصدقة على مطلق العطية ، قلت لم يرد بالصدقة هنا مدلولها الأصلي الذي هو الإعطاء بقصد التقرب إلى الله تعالى وإنما استعمل الصدقة في مطلق العطية على سبيل المجاز والله أعلم .



                                                            (الثامنة) فيه حجة لما يقوله الفقهاء من أصحابنا وغيرهم أن العبرة في العطاء بنية الدافع فمن عليه دينان بأحدهما رهن فدفع ما يؤدي أحدهما وقال أردت الدفع عن الدين الذي به الرهن لينفك وقال الآخذ إنما أخذته عن الذي لا رهن به فالقول قول الدافع ، وكذا لو قال أردت الدفع عن دينك علي وقال الآخذ إنما أخذته تبرعا ووجه الدليل أنه عليه الصلاة والسلام سأل سلمان عن نيته فيما أحضره ورتب الحكم على ذلك من غير نظر للآخذ وهو استدلال واضح .



                                                            (التاسعة) فيه أنه لا يشترط في كل من الهدية والصدقة الإيجاب والقبول باللفظ بل يكفي القبض وتملك به فإن سلمان رضي الله عنه اقتصر على مجرد وضعه والنبي صلى الله عليه وسلم إنما سأله ليتميز له الهدية المباحة عن الصدقة المحرمة عليه ولم يوجد من النبي صلى الله عليه وسلم لفظ في قبول الهدية ، وهذا هو الصحيح الذي عليه قرار مذهب الشافعي وقطع به غير واحد من الشافعية واحتجوا بهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي فيها حمل الهدايا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقبلها ولا لفظ هناك قالوا وعلى هذا جرى الناس في الأعصار ولذلك كانوا يبعثون بها على أيدي الصبيان الذين لا عبارة [ ص: 40 ] لهم وفي المسألة وجه لبعض أصحابنا أنه يشترط فيها الإيجاب والقبول كالبيع والهبة والوصية وهو ظاهر كلام الشيخ أبي حامد والمتلقين عنه .



                                                            (العاشرة) فيه أنه لا يشرط في صدق اسم الهدية أن يكون بين المهدي والمهدى إليه رسول ومتوسط وهو الأصح عند أصحابنا وحكى أبو عبد الله الزبيري من أصحابنا فيما إذا حلف لا يهدي إليه فوهب له خاتما أو نحوه يدا بيد هل يحنث - وجهين والمشهور ما تقدم .



                                                            (الحادية عشرة) فيه قبول الهدية ممن يدعي أنها ملكه اعتمادا على مجرد يده من غير تنقيب على باطن الأمر في ذلك ولا تحقق ملكه لها .



                                                            (الثانية عشرة) قوله فوضعه بين يديه يحمله مشكل الظاهر ؛ لأن الحمل غير الوضع فكيف يكون الحمل حالا من الوضع فيحتمل أن يقال إن في الكلام تقديما وتأخيرا وأصله فجاء من الغد بمثله يحمله فوضعه بين يديه ، ويحتمل أنه لما وضعه بين يديه لم يجعل استقراره على الأرض بل صار مع ذلك حاملا له مستوفزا به فإنه متوقع رده كما فعل في المرتين الأوليين ، ويحتمل أن يكون هذا زيادة في تأكيد كونه هدية لحصول المبالغة في الإكرام باستمرار صورة الحمل له مع وضعه على الأرض والله أعلم .

                                                            (الثالثة عشرة) قوله انشطوا بإسكان النون وفتح الشين المعجمة فعل أمر من النشاط والمراد الأمر بالنشاط للأكل معه وكل ما خف المرء لفعله ومال إليه وآثره فقد نشط له وكانت هذه الهدية خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه خصه بها وقال هدية لك بخلاف الصدقة التي أحضرها في اليومين الأوليين فإنه قال فيها صدقة عليك وعلى أصحابك ففيه أنه يستحب للمهدى له أن يطعم الحاضرين مما أهدي له وذلك حسن معدود من مكارم الأخلاق .



                                                            (الرابعة عشرة) وفيه قبول هدية الكافر فإن سلمان رضي الله عنه لم يكن أسلم إذ ذاك وإنما أسلم بعد استيعاب العلامات الثلاث التي كان علمها من علامات النبوة وهي امتناعه من الصدقة ، وأكله للهدية وخاتم النبوة وإنما رأى خاتم النبوة بعد قبول هديته .



                                                            (الخامسة عشرة) الخاتم فيه لغتان فتح التاء وكسرها ، وقد ذكر في هذه الرواية أنه على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين محله من ظهره وفي سائر الأحاديث أنه بين كتفيه .

                                                            وقد اختلفت الأحاديث في صفته ، وقدره ففي حديث السائب بن يزيد أنه مثل ذر الحجلة وهو في [ ص: 41 ] الصحيحين .

                                                            وفي حديث جابر بن سمرة كأنه بيضة حمام رواه مسلم

                                                            وفي رواية الترمذي كأنه غدة حمراء مثل بيضة الحمامة .

                                                            وفي حديث أبي زيد بن أخطب أنه قيل له وما الخاتم ؟ قال شعيرات مجتمعات رواه الترمذي

                                                            في الشمائل ورواه الحاكم بلفظ شعر مجتمع وقال صحيح الإسناد .

                                                            وفي حديث عبد الله بن سرجس فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جمعا عليه خيلان كأمثال الثآليل . رواه مسلم وغيره

                                                            والمراد بالجمع بضم الجيم جمع الكف أو الأصابع وقال أبو الربيع سليمان بن سبع في شفاء الصدور هو شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متواليات كأنها عرف فرس بمنكبه الأيمن وفي حديث أبي رمثة مثل الطلعة وفي رواية عنه مثل التفاحة وفي الشمائل للترمذي عن أبي سعيد الخدري بضعة ناشزة .

                                                            وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما مثل البندقة من لحم عليه مكتوب محمد رسول الله رواه ابن عساكر ، وعن ابن هشام تشبيهه بالمحجم وشبهه بعضهم بركبة العنز وقيل في تشبيهه غير ذلك .

                                                            وذكر أبو العباس القرطبي بعض هذه الأقوال وقال وهذه كلها متقاربة المعنى مفيدة أن خاتم النبوة كان نتوءا قائما أحمر تحت كتفه الأيسر قدره إذا قلل كبياضة الحمامة وإذا كبر جمع اليد ، ثم إن السهيلي قال لم ندر هل خلق بالنبي صلى الله عليه وسلم أم وضع فيه بعد ما ولد أو حين نبئ ؟ فبين لنا ما رواه ابن أبي الدنيا بسنده إلى أبي ذر في حديث الملكين . قال أحدهما لصاحبه اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاء ثم قال أحدهما لصاحبه خط بطنه فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي كما هو الآن

                                                            فبين في هذا الحديث متى وضع وكيف وضع ومن وضعه ، وذكر عبد الكريم الحلبي في شرح السيرة رواية فيها وأقبل الثالث وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه ووجد برده زمانا .

                                                            وقال القرطبي أيضا قال القاضي عياض : " الخاتم هذا شق الملكين بين كتفيه " قال القرطبي وهذه غفلة فإن الشق إنما كان في الصدر وأثره إنما كان خطا واضحا في صدره إلى مراق بطنه كما هو منصوص عليه في كتابي البخاري ومسلم ولم يثبت قط في رواية صحيحة ولا حسنة ولا غريبة أنه بلغ بالشق حتى نفذ إلى ظهره .

                                                            ولو كان كذلك لزم أن [ ص: 42 ] يكون مستطيلا من بين كتفيه إلى أسفل من ذلك ؛ لأنه الذي يحاذي الصدر من مسربته إلى مراق بطنه ولعل هذا وقع غلطا من بعض الناسخين لكتابه انتهى . وعن جابر : قال أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه فالتقمت خاتم النبوة بفمي فكان يتم علي مسكا .



                                                            (السادسة عشرة) في هذه الرواية أنه عليه الصلاة والسلام اشترى سلمان رضي الله عنه بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس نخلا فيعمل سلمان فيها وفي ذلك إشكال ؛ لأن البائع لسلمان يكون حينئذ قد استثنى جزءا من منفعته وأبقاها لنفسه وهو غرسه لتلك النخلة وعمله فيها وذلك منهي عنه والمعروف في بقية الروايات أن سلمان كاتب مولاه على ذهب وعمل في نخل ، ففي مسند أحمد وغيره عن سلمان أنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتب يا سلمان فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقار وبأربعين أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانوني بالنخل الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين ودية والرجل بخمس عشرة ودية والرجل بعشر يعين الرجل بقدر ما عنده حتى إذا اجتمعت لي ثلثمائة ودية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فأتني فأكون أنا أضعها بيدي قال ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فوالذي نفس سلمان بيده ما مات منها ودية واحدة فأديت النخل وبقي علي المال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة دجاجة من ذهب من بعض المعادن فقال ما فعل الفارسي المكاتب قال فدعيت له ، قال خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان ، قال قلت وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ قال خذها فإن الله سيؤدي بها عنك قال فأخذتها فوزنت لهم منها والذي نفس سليمان بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ، ثم لم يفتني معه مشهد إسناده جيد فيه محمد بن إسحاق ، وقد صرح بالسماع .

                                                            وفي معجم الطبراني عن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له اذهب فاشتر نفسك قال فانطلقت إلى صاحبي فقلت [ ص: 43 ] بعني نفسي ، فقال : نعم على أن تنبت لي مائة نخلة فإذا أنبتت جئتني بوزن نواة من ذهب فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال النبي صلى الله عليه وسلم اشتر نفسك بالذي سألك وأتني بدلو من ماء البئر التي كنت تسقي منها ذلك النخل ، قال فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سقيتها فوالله لقد غرست مائة نخلة فما منها نخلة إلا نبتت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن النخل قد نبتت فأعطاني قطعة من ذهب فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ووضع في الجانب الآخر نواة قال فوالله ما استقلت القطعة من الذهب من الأرض قال وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأعتقني .

                                                            وفي معجم الطبراني أيضا أنه عليه الصلاة والسلام قال : اشترطت لهم أنك عبد فاشتر نفسك منهم فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحيي لهم ثلثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهب ثم هو حر فيحمل قوله في رواية المصنف فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن مضاء أمره بشرائه نفسه إما بكتابة أو غيرها فجعل النبي صلى الله عليه وسلم معنى مشتريا لأمره بالشراء ويدل لذلك الرواية الأخيرة التي سقناها من معجم الطبراني فإنه جمع فيها بين قوله اشتر نفسك وبين قوله فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                            (السابعة عشرة) فيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم .




                                                            الخدمات العلمية