الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      الفصل الثالث : في حد الخمر كل ما أسكر كثيره أو قليله من خمر أو نبيذ حرام حد شاربه سواء سكر منه أو لم يسكر .

                                      وقال أبو حنيفة يحد من شرب الخمر ، وإن لم يسكر ، ولا يحد من شرب النبيذ حتى يسكر .

                                      والحد : أن يجلد أربعين بالأيدي وأطراف الثياب ويبكت بالقول الممض والكلام الرادع للخبر المأثور فيه .

                                      وقيل بل يحد بالسوط اعتبارا بسائر الحدود ويجوز أن يتجاوز الأربعين إذا لم يرتدع بها إلى ثمانين جلدة ، فإن عمر رضي الله عنه حد شارب الخمر أربعين إلى أن رأى تهافت الناس فيه فشاور الصحابة فيه ، وقال : أرى الناس قد تهافتوا في شرب الخمر فماذا ترون ؟ فقال علي عليه السلام أرى أن تحده ثمانين ; لأنه إذا شرب الخمر سكر ، وإذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، فحده ثمانين حد الفرية فجلد فيه عمر بقية أيامه . والأئمة من بعده ثمانين فقال علي عليه السلام : ما أحد أقيم عليه الحد فيموت فأجد في نفسي منه شيئا ألحق قتله إلا شارب الخمر فإنه شيء رأيناه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن حد شارب الخمر أربعين فمات منها كانت نفسه [ ص: 285 ] هدرا ، وإن حد ثمانين فمات ضمنت نفسه .

                                      وفي قدر ما يضمن منها قولان : أحدهما جميع ديته لمجاوزته النص في حده .

                                      والثاني نصف ديته ; لأن نصف حده نص ونصفه مزيد .

                                      ومن أكره على شرب الخمر أو شربها وهو لا يعلم أنها حرام فلا حد عليه ، وإن شربها لعطش حد ; لأنها لا تروي ، وإن شربها لداء لم يحد ; لأنه ربما يبرأ بها ، وإذا اعتقد إباحة النبيذ حد ، وإن كان في عدالته ، ولا يحد السكران حتى يقر بشرب الخمر المسكر أو يشهد عليه شاهدان أنه شرب مختارا ما لم يعلم أنه مسكر .

                                      وقال أبو عبد الله الزبيري أحده للسكر ، وهذا سهو ; لأنه قد يكره على شرب المسكر .

                                      وحكم السكران في جريان الأحكام عليه كالصاحي إذا كان عاصيا بسكره ، فإن خرج عن حكم المعصية لإكراهه على شرب الخمر ما لا يعلم أنه مسكر لم يجر عليه قلم كالمغمى عليه .

                                      واختلف في حد المسكر فذهب أبو حنيفة إلى أن حد السكر ما زال معه العقل حتى لا يفرق بين الأرض والسماء ولا يعرف أمه من زوجته ، وحده أصحاب الشافعي بأنه ما أفضى بصاحبه إلى أن يتكلم بلسان منكسر ومعنى غير منتظم ويتصرف بحركة مختبط ومشي متمايل وإذا جمع بين اضطراب الكلام فهما وإفهاما وبين اضطراب الحركة مشيا وقياما صار داخلا في حد السكر ، وما زاد على هذا فهو زيادة في حد السكر

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية