الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيمن آلى من امرأته إلى ثمانية أشهر فأوقفته عند الأربعة أشهر فطلق ثم ارتجع]

                                                                                                                                                                                        وقال مالك فيمن آلى من امرأته إلى ثمانية أشهر، فوقفته عند الأربعة أشهر فلم يفئ فطلق عليه ثم ارتجع، فإن انقضت الأربعة الأشهر الباقية، قبل تمام العدة، كانت رجعته ثانية.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: الرجعة تثبت بما كان يسقط به الإيلاء لو لم يحكم بالطلاق، وذلك بأحد ثلاث: بالإصابة، وبانقضاء بقية الأجل، وبالكفارة وإن لم يصب، وعلى قول عبد الملك وهو أحد قولي مالك لا تصح رجعته إلا بالمسيس، فإن انقضى الأجل ولم يمس لم تصح رجعته، كما لا تصح فيه قبل الطلاق، ولا يسقط الإيلاء بالكفارة.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا آلى ولم يضرب أجلا، ولم يفئ عند انقضاء الأربعة أشهر، وطلق عليه ثم ارتجع، ولم يصب ورضيت الزوجة بذلك، فأجاز ذلك ابن القاسم ومطرف وابن الماجشون في كتاب ابن حبيب فيمن حلف بطلاق زوجته أنه لا يصيبها إلى سنة فطلق عليه بالإيلاء أن له أن يرتجعها؛ لأن لها أن تقيم معه بغير وطء إلى انقضاء السنة. فأجازوا رجعتها وإن لم يصب إذا رضيت بذلك.

                                                                                                                                                                                        وقال سحنون في السليمانية: لا تصح رجعته إلا بالوطء، قال: لأن الرجعة حد من حدود الله تعالى، قال: وكذلك الذي يطلق عليه لعدم النفقة، [ ص: 2392 ] ثم ارتجع ولم ييسر في النفقة، ورضيت بذلك - لم تكن رجعة، قال: ولا تهدم عدة تثبت بطلاق إلا بزوال المعنى الذي كان له الطلاق.

                                                                                                                                                                                        والأول أحسن؛ لأن الطلاق لعدم المسيس ولعدم النفقة من حقها، وليس ذلك حق لله تعالى، فإذا أسقطت حقها في ذلك كله جاز، كما كان لها ذلك قبل الطلاق.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا رضيت زوجة المولي عند انقضاء الأجل بتركه، وقالت: لا حاجة لي بتوقيفه ثم قامت به، فقال مالك في كتاب محمد: ذلك لها، ويوقف مكانه من غير استئناف أجل.

                                                                                                                                                                                        وقال أصبغ: تحلف بالله ما كان تركها للأبد، وإنما كان للنظر فيه ثم يوقف ثانية، فإن فاء وإلا طلق عليه.

                                                                                                                                                                                        وقول مالك أحسن؛ لأنها تركت ما لا تقدر على الوفاء به، ولا الصبر عليه مع كون الزوج معها مضاجعا أو مخليا، وليست كامرأة المجبوب؛ لأن اليأس منه لعدم ذلك، وهي في تركها بمنزلة من تركت يومها في القسم لضرتها فلها القيام؛ لأنها لا تستطيع الصبر.

                                                                                                                                                                                        واختلف في الجذام يحدث بالزوج، فقال أشهب: إن تفاحش ولم يحتمل النظر إليه، وتغض الأبصار دونه كان لها الخيار في الفراق، فإن [ ص: 2393 ] رضيت بالمقام، ثم بدا لها كان ذلك لها. قال ابن القاسم: لها أن تقوم بالفراق، يريد: لأنها تقول: ظننت أنه لا يزيد.

                                                                                                                                                                                        وإذا كانت الزوجة أمة وأرادت أن تترك القيام وقام السيد، قال محمد بن المواز: ذلك له

                                                                                                                                                                                        ولأصبغ في ثمانية أبي زيد مثله، فقال: إن تركت كان للسيد القيام، وإن ترك السيد وقامت هي كان القول قولها؛ لأنه حق جعله الله لها، وهي من الأزواج، قال: ولو فقد زوجها وأرادت أن يضرب لها أجل المفقود لتحل إذا مضى ذلك الأجل، وأبى ذلك السيد - كان ذلك لها؛ لأنها ترجو العتق، ولو رضيت بالمقام، وقام السيد كان ذلك له.

                                                                                                                                                                                        قال الشيخ -رحمه الله-: وإن تبين أنه مجبوب فرضيته وكره السيد، أو رضي السيد وكرهته - كان القول قول من كره منهما، وإن تبين أنه خصي كان الرضا أو الكراهية والرد للسيد دونها؛ لأن للسيد أن يزوجها خصيا، وإن كرهت. [ ص: 2394 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية