الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من منح لبن شاة عاما أو أعواما أيشتري بذلك طعاما نقدا؟]

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم -فيمن منح لبن شاة عاما أو أعواما: لا بأس أن يشتري ذلك بطعام نقدا أو إلى أجل؛ لأنه إنما يتحلل الرقبة، بمنزلة من باع شاة لبونا بطعام نقدا أو إلى أجل. وليست المسألتان سواء؛ لأن القصد من بائع المنحة بيع اللبن، وعلى قدر عطيته وحقه في ذلك اللبن يبيع، وإن كان قصد المعطي التحليل في الرقبة، فإنه إنما يشتري اللبن عنه ويعطي العوض.

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في الصلح على الإنكار، إذا كان صحيحا من ناحية المنكر، فاسدا على دعوى المدعى. فقال ابن القاسم: الصلح فاسد. وأجازه أصبغ. وكذلك شراء المنحة لا يجوز على أصله؛ لأنها وإن كانت صحيحة من قبل المعطي، فهي فاسدة من قبل المعطى. وأجاز إذا أسكن دارا أن يشتري سكناها بسكنى أخرى، أو أخدم عبدا أن يشتري خدمته بخدمة عبد آخر. وقال [ ص: 4301 ] سحنون: ذلك إذا كانت الدار الأخرى، أو العبد الآخر سنين معلومات.

                                                                                                                                                                                        وحمل الشيخ أبو الحسن قول ابن القاسم: أنه أجاز ذلك، وإن كان سكنى الأخرى، أو خدمة العبد الآخر حياة المعطي، حسب ما كان الأول. وهذا أحسن في الدارين؛ لأن كون الثانية حياة المعطي، أقل غررا منه سنين معلومات، بخلاف العبدين؛ لأن الدارين مأمونتان أن تبقيا حياة المعطى، فإنما تقديره سكنى يوم بيوم، وشهر بشهر، وكلما مضى يوم قابله من الآخر مثله، وإن اشترى بذلك سنين معلومات، أمكن أن يعيش المعطى أكثر فيكون عليه غبن، أو يموت قبلها فيبقى ورثته في سكنى الثانية، فيكون فيها غبن على المعطى، وإذا كانت الثانية حياة المعطى لم يدخله غرر، وليس كذلك العبدان، لاختلاف حياتهما، وقد يطول عمر الثاني فيكون الغبن على المخدم، أو يموت قبل الأول فيكون الغبن على المعطي، وإن تراضيا على سنين معلومات فمات الثاني بعد مضي نصفها، رجع في قيمة نصف خدمته الأولى على غررها. [ ص: 4302 ]

                                                                                                                                                                                        وعلى قول أصبغ يرجع بقيمة السنين، قياسا على الصلح على الإنكار، فإن كانت قيمتها عشرين رجع بعشرة، كان مات الأول لم يرجع على الثاني بشيء؛ لأنه أخذه على أنه يتصرف في رقبته بالبيع وغيره.

                                                                                                                                                                                        تم كتاب العرايا والحمد لله رب العالمين

                                                                                                                                                                                        وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية