الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2511 حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا فقال ألا وقول الزور قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت وقال إسماعيل بن إبراهيم حدثنا الجريري حدثنا عبد الرحمن [ ص: 311 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 311 ] قوله : ( حدثنا الجريري ) بضم الجيم وهو سعيد بن إياس وسماه في رواية خالد الحذاء عنه في أوائل الأدب ، وقد أخرج البخاري للعباس بن فروخ الجريري لكنه إذا أخرجه عنه سماه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ) في رواية إسماعيل ابن علية عن الجريري " حدثنا عبد الرحمن " وقد علقها المصنف آخر الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ) هذا يقوي - إن كان المجلس متحدا - أحد الوجهين مما شك فيه شعبة هل قال ذلك ابتداء أو لما سئل ؟ وقد نظم كلا من العقوق وشهادة الزور بالشرك في آيتين . إحداهما قوله تعالى : وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا ثانيهما : قوله تعالى : فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثلاثا ) أي قال لهم ذلك ثلاث مرات ، وكرره تأكيدا لينتبه السامع على إحضار فهمه ، ووهم من قال : المراد بذلك عدد الكبائر وقد ترجم البخاري في العلم " من أعاد الحديث ثلاثا ليفهم عنه " وذكر فيه طرفا من هذا الحديث تعليقا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الإشراك بالله ) يحتمل مطلق الكفر ويكون تخصيصه بالذكر لغلبته في الوجود ، ولا سيما في بلاد العرب فذكره تنبيها على غيره . ويحتمل أن يراد به خصوصيته ، إلا أنه يرد عليه أن بعض الكفر أعظم قبحا من الإشراك وهو التعطيل ; لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد فيترجح الاحتمال الأول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وعقوق الوالدين ) يأتي الكلام عليه في الأدب مع الكلام على الكبائر وضابطها وبيان ما قيل في عددها إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وجلس وكان متكئا ) يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئا ، ويفيد ذلك تأكيد تحريمه وعظم قبحه ، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس ، والتهاون بها أكثر ، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم ، والعقوق يصرف عنه الطبع ، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما ، فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه ، وليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا ، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد ، بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ألا وقول الزور ) في رواية خالد عن الجريري " ألا وقول الزور وشهادة الزور " وفي رواية ابن علية " شهادة الزور أو قول الزور " وكذا وقع في العمدة بالواو قال ابن دقيق العيد : يحتمل أن يكون من الخاص بعد العام ، لكن ينبغي أن يحمل على التأكيد ، فإنا لو حملنا القول على الإطلاق لزم أن تكون الكذبة الواحدة مطلقا كبيرة ، وليس كذلك . قال : ولا شك أن عظم الكذب ومراتبه متفاوتة بحسب تفاوت مفاسده ، ومنه قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ) أي شفقة عليه وكراهية لما يزعجه . وفيه ما كانوا عليه من كثرة الأدب معه - صلى الله عليه وسلم - والمحبة له والشفقة عليه .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 312 ] قوله : ( وقال إسماعيل بن إبراهيم ) أي ابن علية ، وروايته موصولة في كتاب استتابة المرتدين وفي الحديث انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر ، ويؤخذ منه ثبوت الصغائر ; لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها ; والاختلاف في ثبوت الصغائر مشهور ، وأكثر ما تمسك به من قال ليس في الذنوب صغيرة كونه نظر إلى عظم المخالفة لأمر الله ونهيه ، فالمخالفة بالنسبة إلى جلال الله كبيرة لكن لمن أثبت الصغائر أن يقول وهي بالنسبة لما فوقها صغيرة كما دل عليه حديث الباب ، وقد فهم الفرق بين الصغيرة والكبيرة من مدارك الشرع ، وسبق في أوائل الصلاة ما يكفر الخطايا ما لم تكن كبائر ، فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعات ومنها ما لا يكفر وذلك هو عين المدعى ولهذا قال الغزالي : إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بالفقيه . ثم إن مراتب كل من الصغائر والكبائر مختلف بحسب تفاوت مفاسدها . وفي الحديث تحريم شهادة الزور ، وفي معناها كل ما كان زورا من تعاطي المرء ما ليس له أهلا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية