الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3622 حدثنا أبو النعمان حدثنا أبو عوانة عن بيان أبي بشر عن قيس بن أبي حازم قال دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب فرآها لا تكلم فقال ما لها لا تكلم قالوا حجت مصمتة قال لها تكلمي فإن هذا لا يحل هذا من عمل الجاهلية فتكلمت فقالت من أنت قال امرؤ من المهاجرين قالت أي المهاجرين قال من قريش قالت من أي قريش أنت قال إنك لسئول أنا أبو بكر قالت ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية قال بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم قالت وما الأئمة قال أما كان لقومك رءوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم قالت بلى قال فهم أولئك على الناس

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع قوله : ( دخل ) أي أبو بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على امرأة من أحمس ) بمهملتين وزن أحمد ، وهي قبيلة من بجيلة . وأغرب ابن التين فقال : المراد امرأة من الحمس وهي من قريش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقال لها : زينب بنت المهاجر ) روى حديثها محمد بن سعد في الطبقات من طريق عبد الله بن جابر الأحمسي عن عمته زينب بنت المهاجر قالت : " خرجت حاجة " فذكر الحديث ، وذكر أبو موسى المديني في " ذيل الصحابة " أن ابن منده ذكر في " تاريخ النساء " له أن زينب بنت جابر أدركت النبي - صلى الله عليه وسلم - وروت عن أبي بكر ، وروى عنها عبد الله بن جابر وهي عمته قال : وقيل : هي بنت المهاجر بن جابر ، وذكر الدارقطني في " العلل " أن في رواية شريك وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد في حديث الباب أنها زينب بنت عوف ، قال : وذكر ابن عيينة عن إسماعيل أنها جدة إبراهيم بن المهاجر ، والجمع بين هذه الأقوال ممكن بأن من قال : بنت المهاجر نسبها إلى أبيها أو بنت جابر نسبها إلى جدها الأدنى أو بنت عوف نسبها إلى جد لها أعلى ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مصمتة ) بضم الميم وسكون المهملة أي ساكتة يقال : أصمت وصمت بمعنى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن هذا لا يحل ) يعني ترك الكلام . ووقع عند الإسماعيلي من وجه آخر عن أبي بكر الصديق أن المرأة قالت له : " كان بيننا وبين قومك في الجاهلية شر ، فحلفت إن الله عافانا من ذلك أن لا أكلم أحدا حتى أحج . فقال : إن الإسلام يهدم ذلك ، فتكلمي " وللفاكهي من طريق زيد بن وهب عن أبي بكر نحوه ، وقد استدل بقول أبي بكر هذا من قال بأن من حلف أن لا يتكلم استحب له أن يتكلم ولا كفارة عليه ؛ لأن أبا بكر لم يأمرها بالكفارة ، وقياسه أن من نذر أن لا يتكلم لم ينعقد نذره ؛ لأن أبا بكر أطلق أن ذلك لا يحل وأنه من فعل الجاهلية وأن الإسلام هدم ذلك ، ولا يقول أبو بكر مثل هذا إلا عن توقيف فيكون في حكم المرفوع ، ويؤيد ذلك حديث ابن عباس في قصة أبي إسرائيل الذي نذر أن يمشي ولا يركب ولا يستظل ولا يتكلم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يركب ويستظل ويتكلم ، وحديث علي رفعه لا يتم بعد احتلام ولا صمت يوم إلى الليل أخرجه أبو داود ، قال الخطابي في شرحه : كان من نسك أهل الجاهلية الصمت ، فكان أحدهم يعتكف اليوم والليلة ويصمت ، فنهوا عن ذلك وأمروا بالنطق بالخير ، وقد تقدمت الإشارة إلى حديث ابن عباس في كتاب الحج ، ويأتي الكلام عليه في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى . وقال ابن قدامة في " المغني " : ليس من شريعة الإسلام الصمت عن الكلام ، وظاهر الأخبار تحريمه ، واحتج بحديث أبي بكر وبحديث علي المذكور قال : فإن نذر ذلك لم يلزمه الوفاء به ، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفا اهـ .

                                                                                                                                                                                                        وكلام الشافعية يقتضي أن مسألة النذر ليست منقولة ، فإن الرافعي ذكر في كتاب النذر أن في تفسير أبي نصر القشيري عن القفال قال : من نذر أن لا يكلم الآدميين يحتمل أن يقال : يلزمه لأنه مما يتقرب به . ويحتمل أن يقال : لا ؛ لما فيه من التضييق والتشديد ، وليس ذلك من شرعنا ، كما لو نذر الوقوف في الشمس . قال أبو نصر : فعلى هذا يكون نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا ، ذكره في تفسير سورة مريم عند قولها : إني نذرت للرحمن صوما وفي [ ص: 186 ] " التتمة " لأبي سعيد المتولي : من قال : شرع من قبلنا شرع لنا ؛ جعل ذلك قربة . وقال ابن الرفعة في قول الشيخ أبي إسحاق في " التنبيه " : ويكره له صمت يوم إلى الليل ، قال في شرحه : إذ لم يؤثر ذلك بل جاء في حديث ابن عباس النهي عنه . ثم قال : نعم ، قد ورد في شرع من قبلنا ، فإن قلنا : إنه شرع لنا ؛ لم يكره ، إلا أنه لا يستحب قاله ابن يونس ، قال : وفيه نظر ; لأن الماوردي قال : روي عن ابن عمر مرفوعا صمت الصائم تسبيح ، قال : فإن صح دل على مشروعية الصمت ، وإلا فحديث ابن عباس أقل درجاته الكراهة . قال : وحيث قلنا : إن شرع من قبلنا شرع لنا ، فذاك إذا لم يرد في شرعنا ما يخالفه انتهى . وهو كما قال . وقد ورد النهي ، والحديث المذكور لا يثبت ، وقد أورده صاحب " مسند الفردوس " من حديثابن عمر وفي إسناده الربيع بن بدر وهو ساقط ، ولو ثبت لما أفاد المقصود ؛ لأن لفظه صمت الصائم تسبيح ، ونومه عبادة ، ودعاؤه مستجاب فالحديث مساق في أن أفعال الصائم كلها محبوبة ، لا أن الصمت بخصوصه مطلوب .

                                                                                                                                                                                                        وقد قال الروياني في " البحر " في آخر الصيام : فرع : جرت عادة الناس بترك الكلام في رمضان ، وليس له أصل في شرعنا بل في شرع من قبلنا ، فيخرج جواز ذلك على الخلاف في المسألة انتهى . وليتعجب ممن نسب تخريج مسألة النذر إلى نفسه من المتأخرين ، وأما الأحاديث الواردة في الصمت وفضله كحديث من صمت نجا أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وحديث أيسر العبادة الصمت أخرجه ابن أبي الدنيا بسند مرسل رجاله ثقات ، إلى غير ذلك ، فلا يعارض ما جزم به الشيخ أبو إسحاق من الكراهة لاختلاف المقاصد في ذلك ، فالصمت المرغب فيه ترك الكلام الباطل ، وكذا المباح إن جر إلى شيء من ذلك ، والصمت المنهي عنه ترك الكلام في الحق لمن يستطيعه ، وكذا المباح المستوي الطرفين والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إنك ) بكسر الكاف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لسئول ) أي كثيرة السؤال ، وهذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح ) أي دين الإسلام وما اشتمل عليه من العدل واجتماع الكلمة ونصر المظلوم ووضع كل شيء في محله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما استقامت بكم ) في رواية الكشميهني " لكم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أئمتكم ) أي لأن الناس على دين ملوكهم ، فمن حاد من الأئمة عن الحال مال وأمال .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية