الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      5266 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نملة قرصت نبيا من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح

                                                                      التالي السابق


                                                                      قرصت أي لسعت ولدغت ( نبيا من الأنبياء ) هو موسى بن عمران عليه السلام كما سيجيء من كلام القرطبي وقيل داود عليه السلام فأمر بقرية النمل أي مسكنها ومنزلها سمي قرية لاجتماعها فيه نملة أي واحدة أهلكت أمة أي أمرت بإهلاك طائفة عظيمة من الأمم حال كونها ( تسبح ) قال النووي : هذا الحديث محمول [ ص: 140 ] على أن شرع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه جواز قتل النمل وجواز الإحراق بالنار . ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق بل في الزيادة على نملة واحدة ، انتهى

                                                                      وقال العلامة الدميري : قال أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول لم يعاتبه الله تعالى على تحريقها وإنما عاتبه على كونه أخذ البريء بغير البريء وقالالقرطبي : هذا النبي صلى الله عليه وسلم هو موسى بن عمران عليه السلام وأنه قال يا رب تعذب أهل قرية بمعاصيهم وفيهم الطائع فكأنه جل وعلا أحب أن يريه ذلك من عنده فسلط عليه الحر حتى التجأ إلى شجرة مستروحا إلى ظلها وعندها قرية النمل فغلبه النوم فلما وجد لذة النوم لدغته نملة فدلكهن بقدمه فأهلكهن وأحرق مسكنهن فأراه الله تعالى الآية في ذلك عبرة لما لدغته نملة كيف أصيب الباقون بعقوبتها يريد تعالى أن ينبهه على أن العقوبة من الله تعم الطائع والعاصي فتصير رحمة وطهارة وبركة على المطيع وسوءا ونقمة وعذابا على العاصي وعلى هذا ليس في الحديث ما يدل على كراهة ولا حظر في قتل النمل فإن من آذاك حل لك دفعه عن نفسك ولا أحد من خلق الله أعظم حرمة من المؤمن وقد أبيح لك دفعه عنك بضرب أو قتل على ما له من المقدار فكيف بالهوام والدواب التي قد سخرت للمؤمن وسلط عليها وسلطت عليه فإذا آذته أبيح له قتلها

                                                                      وقوله فهلا نملة واحدة دليل على أن الذي يؤذي يقتل وكل قتل كان لنفع أو دفع ضر فلا بأس به عند العلماء ولم يخص تلك النملة التي لدغته من غيرها لأنه ليس المراد القصاص لأنه لو أراده لقال فهلا نملتك التي لدغتك ولكن قال فهلا نملة فكأن نملة تعم البريء والجاني وذلك ليعلم أنه أراد تنبيهه لمسألة ربه تعالى في عذاب أهل قرية فيهم المطيع والعاصي

                                                                      وقد قيل إن في شرع هذا النبي عليه السلام كانت العقوبة للحيوان بالتحريق جائزة فلذلك إنما عاتبه الله - تعالى في إحراق الكثير لا في أصل الإحراق ألا ترى قوله فهلا نملة واحدة وهو بخلاف شرعنا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تعذيب الحيوان بالنار وقال لا يعذب بالنار إلا الله تعالى فلا يجوز إحراق الحيوان بالنار إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوارثه الاقتصاص بالإحراق للجاني انتهى كلام العلامة الدميري .

                                                                      قال المنذري : والحديث أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية