الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2952 حدثنا عبد بن حميد حدثنا حبان بن هلال حدثنا سهيل بن عبد الله وهو ابن أبي حزم أخو حزم القطعي حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ قال أبو عيسى هذا حديث غريب وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أنهم شددوا في هذا في أن يفسر القرآن بغير علم وأما الذي روي عن مجاهد وقتادة وغيرهما من أهل العلم أنهم فسروا القرآن فليس الظن بهم أنهم قالوا في القرآن أو فسروه بغير علم أو من قبل أنفسهم وقد روي عنهم ما يدل على ما قلنا أنهم لم يقولوا من قبل أنفسهم بغير علم حدثنا الحسين بن مهدي البصري أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال ما في القرآن آية إلا وقد سمعت فيها شيئا حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن الأعمش قال قال مجاهد لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج إلى أن أسأل ابن عباس عن كثير من القرآن مما سألت

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثني حبان ) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ( وهو ) أي سهيل بن عبد الله ( ابن أبي حزم ) فأبو حزم كنية والد سهيل وعبد الله اسمه ويقال له مهران أيضا ( أخو حزم ) بدل من ابن أبي حزم أي سهيل بن أبي حزم هو أخو حزم ( القطعي ) بضم القاف وفتح الطاء . قال الحافظ في تهذيب التهذيب : سهيل بن أبي حزم واسمه مهران ويقال عبد الله أبو بكر البصري روى عن أبي عمران الجوني وغيره وعنه حبان بن هلال وغيره . وقال في التقريب ضعيف من السابعة ( عن جندب بن عبد الله ) بضم الجيم ، والدال تفتح وتضم ، ابن سفيان البجلي .

                                                                                                          قوله : ( من قال في القرآن ) أي في لفظه أو معناه ( برأيه ) أي بعقله المجرد ( فأصاب ) أي ولو صار مصيبا بحسب الاتفاق ( فقد أخطأ ) أي فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي . قال ابن حجر : أي أخطأ طريق الاستقامة بخوضه في كتاب الله بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض مع عدم استجماعه لشروطه فكان آثما به مطلقا ولم يعتد بموافقته للصواب لأنها ليست عن قصد ولا تحر بخلاف من كملت فيه آلات التفسير وهي خمسة عشر علما : اللغة والنحو والتصريف والاشتقاق لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف المعنى باختلافهما كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح والمعاني والبيان والبديع والقراءات والأصلين وأسباب النزول والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسر المجمل والمبهم وعلم الموهبة وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم ، وبعض هذه العلوم كان موجودا عند السلف بالفعل وبعضها بالطبع من غير تعلم فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ لأنه لا تعدي منه فكان مأجورا أجرين كما في رواية أو عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب ، وأجرا إن أخطأ كالمجتهد في الأحكام لأنه بذل وسعه في طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه فلم يكن منه تقصير بوجه .

                                                                                                          وقد أخطأ الباطنية الذين يعتقدون أن للقرآن ظهرا وبطنا وأن المراد باطنه دون ظاهره .

                                                                                                          ومن هذا ما يسلكه بعض الصوفية من تفسيرهم فرعون بالنفس ، وموسى بالقلب إن زعموا أن ذلك مراد بالآية لا إشارات ومناسبات للآيات وقد صرح الغزالي وغيره بأنه يحرم صرف شيء من [ ص: 226 ] الكتاب والسنة عن ظاهره من غير اعتصام فيه بنقل من الشارع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل عقلي ، ونقل الطيبي عن التوربشتي : أن المراد بالرأي ما لا يكون مؤسسا على علوم الكتاب والسنة بل يكون قولا تقوله برأيه على ما يقتضيه عقله ، وعلم التفسير يؤخذ من أفواه الرجال ، كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ ، ومن أقوال الأئمة وتأويلاتهم بالمقاييس العربية كالحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ثم يتكلم على حسب ما يقتضيه أصول الدين ، فيؤول القسم المحتاج إلى التأويل على وجه يشهد بصحته ظاهر التنزيل ، فمن لم يستجمع هذه الشرائط كان قوله مهجورا وحسبه من الزجر أنه مخطئ عند الإصابة ، فيباعد ما بين المجتهد والمتكلف ، فالمجتهد مأجور على الخطأ والمتكلف مأخوذ بالصواب ، كذا في المرقاة .

                                                                                                          وقال النيسابوري في تفسيره : ذكر العلماء أن النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلو : إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط ، أو المراد به أمر آخر وباطل أن يكون المراد به أن لا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه فإن الصحابة رضي الله عنهم قد فسروا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه ، وليس كل ما قالوه سمعوه ، كيف وقد دعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لابن عباس : اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك وإنما النهي يحمل على وجهين : أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيؤول القرآن على وفق هواه ليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى ، لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى ، وهذا قد يكون مع العلم بأن المراد من الآية ليس ذلك ولكن يلبس على خصمه وقد يكون مع الجهل وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه ويترجح ذلك الجانب برأيه وهواه ، ولولا رأيه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه ، وقد يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول المراد بفرعون في قوله تعالى اذهب إلى فرعون إنه طغى هو النفس .

                                                                                                          الوجه الثاني : أن يتسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغريب القرآن وما فيه من الألفاظ المبهمة والاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير ، فالنقل والسماع لا بد منه في ظاهر التفسير أولا ليتقي به مواضع الغلط ، ثم بعد ذلك يتسع للتفهيم والاستنباط . والغرائب التي لا تفهم إلا بالسماع كثيرة ، كقوله تعالى : وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها معناه آية مبصرة فظلموا أنفسهم بقتلها ، فالناظر إلى ظاهر العربية يظن المراد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وما يدري بما ظلموا وأنهم ظلموا غيرهم أو أنفسهم . وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه ما دام على قوانين العلوم العربية والقواعد الأصلية [ ص: 227 ] والفرعية . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن جرير ( وقد تكلم بعض أهل الحديث في سهيل بن أبي حزم ) قال المنذري : وقد تكلم فيه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم ( وهكذا روي عن بعض أهل العلم من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغيرهم أنهم شددوا في هذا ) قد ذكر الحافظ ابن كثير في أوائل تفسيره آثارا عديدة عن الصحابة والتابعين في التحرج عن تفسير ما لا علم لهم به ( في أن يفسر القرآن بغير علم ) هذا بيان لقوله " في هذا " .

                                                                                                          قوله : ( حدثنا الحسين بن مهدي البصري ) قال في التقريب : الحسين بن مهدي بن مالك الأبلي بضم الهمزة والموحدة ، أبو سعيد صدوق من الحادية عشرة ، قال في لب اللباب : الأبلي بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وتشديد اللام نسبة إلى أبلة بلدة على أربعة فراسخ من البصرة .

                                                                                                          قوله : ( لو كنت قرأت قراءة ابن مسعود لم أحتج أن أسال ابن عباس إلخ ) أي لما وقع في قراءته من تفسير كثير من القرآن .




                                                                                                          الخدمات العلمية