الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3127 حدثنا محمد بن إسمعيل حدثنا أحمد بن أبي الطيب حدثنا مصعب بن سلام عن عمرو بن قيس عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال أبو عيسى هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال للمتفرسين

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( حدثنا محمد بن إسماعيل ) هو الإمام البخاري رحمه الله ( أخبرنا أحمد بن أبي الطيب ) البغدادي ، أبو سليمان المعروف بالمروزي ، صدوق حافظ له أغلاط ، ضعفه بسببها أبو حاتم ، وما له في البخاري سوى حديث واحد متابعة وهو من العاشرة ( أخبرنا مصعب بن سلام ) بتشديد اللام . التميمي الكوفي نزيل بغداد صدوق له أوهام من الثامنة ( عن عمرو بن قيس ) الملائي الكوفي ( عن عطية ) هو ابن سعد العوفي .

                                                                                                          [ ص: 441 ] قوله : ( اتقوا فراسة المؤمن ) الفراسة بالكسر ، اسم من قولك : تفرست في فلان الخير ، وهي على نوعين ، أحدهما : ما يدل عليه ظاهر الحديث ، وهو ما يوقعه الله في قلوب أوليائه فيعلمون بذلك أحوال الناس بنوع من الكرامات وإصابة الحدس والنظر والظن والتثبت . والنوع الثاني : ما يحصل بدلائل التجارب والخلق والأخلاق تعرف بذلك أحوال الناس أيضا . وللناس في علم الفراسة تصانيف قديمة وحديثة ، كذا في النهاية والخازن . وقال المناوي : اتقوا فراسة المؤمن ، أي اطلاعه على ما في الضمائر بسواطع أنوار أشرقت على قلبه ، فتجلت له بها الحقائق ( فإنه ينظر بنور الله ) أي يبصر بعين قلبه المشرق بنور الله تعالى . وأصل الفراسة : أن بصر الروح متصل ببصر العقل في عيني الإنسان فالعين جارحة والبصر من الروح ، وإدراك الأشياء من بينهما ، فإذا تفرغ العقل والروح من أشغال النفس أبصر الروح وأدرك العقل ما أبصر الروح ، وإنما عجز العامة عن هذا لشغل أرواحهم بالنفوس واشتباك الشهوات بها فشغل بصر الروح عن درك الأشياء الباطنة ومن أكب على شهواته وتشاغل عن العبودية حتى خلط على نفسه الأمور وتراكمت عليه الظلمات ، كيف يبصر شيئا غاب عنه ( ثم قرأ ) رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال ابن عباس : للناظرين ، وقال قتادة : للمعتبرين ، وقال مقاتل : للمتفكرين ، وقال مجاهد : للمتفرسين .

                                                                                                          قال الخازن : ويعضد هذا التأويل ما روي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : اتقوا فراسة المؤمن إلخ .

                                                                                                          : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه البخاري في التاريخ وابن جرير وابن أبي حاتم وابن السني وأبو نعيم وابن مردويه والخطيب . وأخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وابن عدي عن أبي أمامة وأخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عمر ، وأخرجه أيضا ابن جرير عن ثوبان ، وأخرجه أيضا ابن جرير والبزار عن أنس مرفوعا بلفظ : إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم .

                                                                                                          قوله : ( وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية إلخ ) روى ابن جرير في تفسيره بإسناد عن مجاهد : إن في ذلك لآيات للمتوسمين قال : للمتفرسين . انتهى . وأصل التوسم : [ ص: 442 ] التثبت والتفكر ، تفعل مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير أو البقر ، وقيل أصله الاستقصاء والتعرف ، يقال توسمت : أي تعرفت مستقصيا وجوه التعرف ، وقيل هو من الوسم بمعنى العلامة ، ولأهل العلم والفضل في الفراسة أخبار وحكايات معروفة ، فمنها ما ذكره الحافظ في توالي التأسيس ، قال الساجي : حدثنا أبو داود السجستاني ، حدثنا قتيبة ، حدثني عبد الحميد قال : خرجت أنا والشافعي من مكة فلقينا رجلا بالأبطح ، فقلت للشافعي ازكن ما للرجل ، فقال نجار أو خياط ، قال فلحقته فقال كنت نجارا وأنا خياط . وأخرج الحاكم من وجه آخر عن قتيبة قال : رأيت محمد بن الحسن والشافعي قاعدين بفناء الكعبة ، فمر رجل فقال أحدهما لصاحبه : تعال حتى نزكن على هذا الآتي ، أي حرفة معه؟ فقال أحدهما : خياط ، وقال الآخر : نجار ، فبعثا إليه فسألاه فقال : كنت خياطا وأنا اليوم نجار .

                                                                                                          قال الحافظ : وسند كل من القصتين صحيح ، فيحمل على التعدد ، والزكن : الفراسة وأخرج البيهقي من طريق المزني قال : كنت مع الشافعي في الجامع إذ دخل رجل يدور على النيام ، فقال الشافعي للربيع : قم فقل له ذهب لك عبد أسود مصاب بإحدى عينيه؟ قال الربيع : فقمت إليه ، فقلت له ، فقال نعم ، فقلت تعال . فجاء إلى الشافعي فقال : أين عبدي ؟ فقال : مر تجده في الحبس ، فذهب الرجل فوجده في الحبس ، قال المزني فقلت له : أخبرنا فقد حيرتنا ، فقال : نعم ، رأيت رجلا دخل من باب المسجد يدور بين النيام ، فقلت : يطلب هاربا ، ورأيته يجيء إلى السودان دون البيض ، قلت : هرب له عبد أسود ، ورأيته يجيء إلى ما يلي العين اليسرى ، فقلت : مصاب بإحدى عينيه ، قلنا : فما يدريك أنه في الحبس ؟ قال : الحديث في العبيد : إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا ، فتأولت أنه فعل أحدهما ، فكان كذلك .




                                                                                                          الخدمات العلمية