الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 470 ] [ ص: 471 ] [ ص: 472 ] [ ص: 473 ] " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "

( حديث شريف )

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصيد

وهو جائز بالجوارح المعلمة والسهام المحددة لما يحل أكله لأكله وما لا يحل أكله لجلده وشعره ، والجوارح ذو ناب من السباع وذو مخلب من الطير ، ولا بد فيه من الجرح ، وكون المرسل أو الرامي مسلما أو كتابيا ، وذكر اسم الله تعالى عند الإرسال والرمي ، وأن يكون الصيد ممتنعا ، ولا يتوارى عن بصره ، ولا يقعد عن طلبه ، وتعليم ذي الناب كالكلب ونحوه ترك الأكل; وذي المخلب كالبازي والصقر ونحوهما الاتباع إذا أرسل ، والإجابة إذا دعي .

ويرجع في معرفة التعليم إلى أهل الخبرة بذلك ، ولا تأقيت فيه ، فإن أكل أو ترك الإجابة بعد الحكم بتعليمه حكم بجهله وحرم ( سم ) ما بقي من صيده قبل ذلك ، وإن ترك التسمية ناسيا حل ، ولو رمى بسهم واحد صيودا ، أو أرسل كلبه على صيود فأخذها أو أحدها ، أو أرسله إلى صيد فأخذ غيره حل ما دام في جهة إرساله ، ولو أرسله ولم يسم ثم زجره وسمى ، أو أرسله مسلم فزجره مجوسي أو بالعكس ، فالمعتبر حالة الإرسال ، فإن أكل منه الكلب لم يؤكل ، ولو شرب دمه أكل ، ولو أخذ منه قطعة فرماها ثم أخذ الصيد وقتله ثم أكل ما ألقاه أكل ، وإن أكل منه البازي يؤكل ، وإن أدركه حيا لا يحل إلا بالتذكية وكذلك في الرمي ، وإن شارك كلبه كلب لم يذكر عليه اسم الله ، أو كلب مجوسي ، أو غير معلم لم يؤكل ; ولو سمع حسا فظنه آدميا فرماه ، أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد أكل; وإذا وقع الصيد في الماء أو على سطح أو جبل أو سنان رمح ، ثم تردى إلى الأرض لم يؤكل; ولو وقع ابتداء على الأرض أكل ; وفي طير الماء إن أصاب الماء الجرح لم يؤكل وإلا أكل ، ولا يؤكل ما قتلته البندقة والحجر والعصا والمعراض بعرضه فإن خزق المعراض الجلد بحده أكل ، وإن رماه بسيف أو سكين فأبان عضوا منه أكل الصيد ، ولا يؤكل العضو ، وإن قطعه نصفين أكل ، وإن قطعه أثلاثا أكل الكل إن كان الأقل من جهة الرأس; ومن رمى صيدا فأثخنه ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل ، ويضمن الثاني للأول قيمته غير نقصان جراحته ، وإن لم يثخنه الأول أكل وهو للثاني .

التالي السابق


بسم الله الرحمن الرحيم

[ ص: 473 ] كتاب الصيد

وهو مصدر صاد يصيد ويطلق على المفعول ، يقال : صيد الأمير ، وصيد كثير ، ويراد به المصيود ، وينشد :


صيد الملوك أرانب وثعالب



ومثله الخلق والعلم يطلق على المخلوق والمعلوم . قال تعالى : ( هذا خلق الله ) أي مخلوقه ، ولهذا قلنا إذا قال : وعلم الله لا يكون يمينا لأن المراد معلومه .

قال : ( وهو جائز بالجوارح المعلمة والسهام المحددة لما يحل أكله لأكله ، وما لا يحل أكله لجلده وشعره ) أما الجواز فلقوله تعالي : ( وإذا حللتم فاصطادوا ) وقوله : ( أحل لكم صيد البحر ) الآية . وقوله : ( أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ) . وقوله عليه الصلاة [ ص: 474 ] والسلام : " الصيد لمن أخذه " وقوله لعدي بن حاتم : " إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ، وإذا رميت سهمك وذكرت اسم الله عليه فكل " .

قال : ( والجوارح ذو ناب من السباع وذو مخلب من الطير ) وهو أن يكون يكتسب بنابه أو مخلبه ويمتنع به ، لأن المراد من قوله من الجوارح التي تجرح ، وقيل الكواسب . ومكلبين : أي مسلطين ، واسم الكلب لغة ينطلق على كل سبع حتى للأسد ، فيجوز الاصطياد بكل ذي ناب من السباع لعموم الآية ، إلا ما كان نجس العين كالخنزير ، لأنه لا يحل الانتفاع به . ولا يجوز الاصطياد بالأسد والذئب فإنهما لا يتعلمان ، وكذلك الدب حتى لو تعلموا جاز . وعن أبي حنيفة في ابن عرس : إذا علم فتعلم جاز .

قال : ( ولا بد فيه من الجرح وكون المرسل أو الرامي مسلما أو كتابيا ، وذكر اسم الله تعالى عند الإرسال والرمي ، وأن يكون الصيد ممتنعا ، ولا يتوارى عن بصره ، ولا يقعد عن طلبه ) أما الجرح ليتحقق اسم الجارح ، ولأنه لا بد من إراقة الدم كالذكاة الاختيارية ، فلو قتله صدما أو جثما أو خنقا لم يؤكل لعدم الجرح; وأما صفة المرسل فلأنه كالذبح ولا يجوز ذبح غيرهما; وأما ذكر اسم الله تعالى فلقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل " شرط التسمية لحل الأكل; وأما كونه ممتنعا فلأن الصيد اسم للممتنع ، ولأن الجرح إنما جعل ذكاة ضرورة العجز عن الذكاة الاختيارية ، والعجز إنما يكون في الممتنع حتى لو رمى ظبيا مربوطا وهو يظن أنه صيد فأصاب ظبيا آخر لم يؤكل ، لأن بالربط لم يبق صيدا .

ولو رمى بعيرا نادا فأصاب صيدا آخر أكل لأنه لما ند صار صيدا; وقوله لا يتوارى عن بصره ولا يقعد عن طلبه ، فإنه صلى الله عليه وسلم كره أكل الصيد إذا غاب عن الرامي وقال : " لعل هوام الأرض قتلته " ولأن احتمال الموت بسبب آخر موجود فلا يحل به ، والموهوم كالمتحقق لما مر ، إلا [ ص: 475 ] أنه سقط اعتباره إذا لم يقعد عن طلبه لأنه لا يمكنه الاحتراز عنه . وفي الحديث : " كل ما أصميت ودع ما أنميت " أصميت الصيد : إذا رميته فقتلته وأنت تراه ، وقد صمى الصيد يصمي : إذا مات وأنت تراه ، ورميت الصيد فأنميته إذا غاب عنك ثم مات ، هكذا فسره صاحب الصحاح .

قال : ( وتعليم ذي الناب كالكلب ونحوه ترك الأكل ، وذي المخلب كالبازي والصقر ونحوهما الاتباع إذا أرسل والإجابة إذا دعي ) روي ذلك عن ابن عباس ، ولأن التعليم بترك العادة الأصلية ، وعادة ذي المخلب النفار ، فإذا أجاب إذا دعي فقد ترك عادته وصار معلما ، وعادة ذي الناب الافتراس والأكل ، فإذا ترك الأكل فقد ترك عادته فصار معلما; ولأن التعليم بترك الأكل إنما يكون بالضرب حالة الأكل وجثة الطير لا تحتمل الضرب ، أما الكلب يحتمله فأمكن تعليمه بالضرب على ذلك ، والفهد ونحوه يحتمل الضرب وعادته الافتراس والنفار ، فيشترط فيه ترك الأكل والإجابة جميعا .

قال : ( ويرجع في معرفة التعليم إلى أهل الخبرة بذلك ولا تأقيت فيه ) لأن المقادير لا تعرف اجتهادا بل سماعا ولا سمع فيفوض إلى أهل الخبرة به ، ولأن ذلك يختلف باختلاف طباعها . وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه قال : لا تأكل أول ما يصيده ولا الثاني وكل الثالث . وقال أبو يوسف ومحمد : إذا ترك أكل ثلاث مرات صار معلما ولا يؤكل الثالث ، لأن العلم لا يثبت بالترك مرة لاحتمال أنه تركه شبعا أو خوفا من الضرب فلا بد من المرات وأقله ثلاثة لأنها لإبلاء الأعذار ، ولا يؤكل الثالث لأن بعدها حكمنا بكونه عالما ، وعلى رواية الحسن يؤكل لأن بالثالثة علمنا أنه عالم فكان صيد جارحة معلمة فيؤكل .

قال : ( فإن أكل أو ترك الإجابة بعد الحكم بتعليمه حكم بجهله وحرم ما بقي من صيده [ ص: 476 ] قبل ذلك ) وقالا : لا يحرم إلا الذي أكل منه لأنا حكمنا بحل صيده قبل ذلك بالاجتهاد فلا ينقض باجتهاد مثله . وله أن بالأكل علمنا جهله ، لأن الصيد حرفة قلما تنسى ، فلما أكل علمنا أنه لم يكن عالما فيحرم جميع ما صاده قبل ذلك لأنه صيد كلب غير معلم ، وتثبت الحرمة فيما بقي من صيده ، لأن ما أكل لم يبق محلا للحكم ، والاجتهاد يترك بمثله قبل حصول المقصود وهو الأكل كاجتهاد القاضي إذا تبدل قبل القضاء ، وما كان في المفازة من صيد فحرام بالإجماع .

قال : ( وإن ترك التسمية ناسيا حل ) لقوله عليه الصلاة والسلام : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " الحديث .

قال : ( ولو رمى بسهم واحد صيودا ، أو أرسل كلبه على صيود فأخذها أو أحدها ، أو أرسله إلى صيد فأخذ غيره حل ما دام في جهة إرساله ) لأن المقصود به حصول الصيد والذبح يقع بالإرسال وهو فعل واحد فيكتفى فيه بتسمية واحدة ، بخلاف من ذبح الشاتين بتسمية واحدة ، لأن الثانية مذبوحة بفعل آخر فلا بد من تسمية أخرى حتى لو أضجع إحداهما فوق الأخرى وذبحهما مرة واحدة أجزأه تسمية واحدة ، ولأن الأخذ مضاف إلى الإرسال وفي تعيين المشار إليه نوع حرج فلا يعتبر تعيينه ، ولو أرسل الفهد فكمن حتى استمكن من الصيد فوثب عليه فقتله حل لأن ذلك من عادته ليتمكن من أخذ الصيد ، وكذا الكلب إذا تعود هذه العادة بمنزلة الفهد ، ولو عدل عن الصيد يمنة أو يسرة وتشاغل في غير طلب الصيد وفتر عن سننه ثم اتبع صيدا فأخذه لم يؤكل لأنه غير مرسل ، والإرسال شرط بقوله تعالى : " مكلبين " أي مسلطين ، فإن زجره صاحبه فانزجر حل ، لأن الزجر كإرسال مستأنف ، ولو انفلت فصاح به وسمى ، فإن انزجر بصياحه حل وإلا فلا .

قال : ( ولو أرسله ولم يسم ثم زجره وسمى ، أو أرسله مسلم فزجره مجوسي أو بالعكس ، فالمعتبر حالة الإرسال ) وكذا لو أرسله مسلم فزجره مرتد أو محرم فانزجر ، وكذا لو ترك التسمية عامدا ثم زجره مسلم وسمى لم يحل ، لأن الحكم مضاف إلى الإرسال الأول وبه [ ص: 477 ] تسلط وتكلب وما بعده تقوية للإرسال وتحريض للكلب فيعتبر حالة الإرسال ، فإذا صدر صحيحا لا ينقلب فاسدا ، وإذا صدر فاسدا لا ينقلب صحيحا بالزجر ، ولو أرسل كلبه المعلم فرد عليه الصيد كلب غير معلم أو غير مرسل فأخذه الأول لم يؤكل ، ولو رده عليه آدمي أو دابة أو طير أو مجوسي حل ، لأن أخذ الكلب ذبح حكما ولا يصلح أحد هؤلاء مشاركا إياه في الذبح ، والكلب الجاهل يصلح مشاركا لأنه جارح بنفسه فاجتمع المبيح والمحرم فيحرم كما لو مد القوس مسلم ومجوسي فأصابا صيدا فإنه يحرم ولو لم يرده عليه ولكنه شد عليه واتبع أثر المرسل حتى قتله الأول أكل ، لأن الثاني محرض لا مشارك .

قال : ( فإن أكل منه الكلب لم يؤكل ) لأنه غير معلم لما بينا ، ولقوله عليه الصلاة والسلام : " فإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه " .

( ولو شرب دمه أكل ) لأن ذلك غاية التعليم ( ولو أخذ منه قطعة فرماها ثم أخذ الصيد وقتله ثم أكل ما ألقاه أكل ) لأنه لم يبق صيدا ، حتى لو أكل من نفس الصيد في هذه الحالة لا يضره فهذا أولى .

قال : ( فإن أكل منه البازي يؤكل ) وقد مر . قال : ( وإن أدركه حيا لا يحل إلا بالتذكية ، وكذلك في الرمي ) لأنه قدر على الذكاة الاختيارية فلا تجزئ الاضطرارية لاندفاع الضرورة وهذا إذا قدر على ذبحه ، فإن أدركه حيا ولم يتمكن من ذبحه إما لفقد آلة أو لضيق الوقت وفيه من الحياة فوق حياة المذبوح لم يؤكل . وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يؤكل إذا لم يقدر على الذكاة حقيقة فصار كالمتيمم إذا وجد الماء ولم يقدر على استعماله; وجه الظاهر أنه لما قدر عليه وبه حياة لم يبق فلا يحل إلا بالذكاة الاختيارية وهذا إذا كان بحال يتوهم حياته .

أما إذا بقي فيه من الحياة مثل المذبوح أو بقر بطنه وأخرج ما فيها ثم أخذه وبه حياة فإنه يحل لأنه ميت حكما ، ولهذا لو وقع في هذه الحالة في الماء لا يحرم كما إذا وقع وهو ميت . وعن أبي حنيفة أنه لا يؤكل أيضا لأنه أخذه حيا فلا يحل إلا بالذكاة الاختيارية ، فلو أنه ذكاه [ ص: 478 ] حل بالإجماع . قال تعالى : ( إلا ما ذكيتم ) من غير فصل ، وعلى هذا المتردية والنطيحة والموقوذة التي بقر الذئب بطنها وفيها حياة خفيفة أو ظاهرة وهو المختار لما تلونا . وعن محمد إذا كان بحال يعيش فوق ما يعيش المذبوح حل وإلا فلا ، إذ لا اعتبار بهذه الحياة . وعن أبي يوسف إذا كان بحال لا يعيش مثله لا يحل ، لأن موته لا يحصل بالذبح .

قال : ( وإن شارك كلبه كلب لم يذكر عليه اسم الله ، أو كلب مجوسي ، أو غير معلم لم يؤكل ) لقوله عليه الصلاة والسلام لعدي بن حاتم : " وإن شارك كلبك كلب آخر فلا تأكل ، فإنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب غيرك " ولأنه اجتمع المحرم والمبيح فيغلب المحرم المبيح احتياطا .

قال : ( ولو سمع حسا فظنه آدميا فرماه ، أو أرسل عليه كلبه فإذا هو صيد أكل ) لأنه لا اعتبار بظنه مع كونه صيدا حقيقة ، وكذلك لو ظنه حس صيد فتبين كذلك حل ، لأنه صيد وقد قصده فيحل . وعن أبي يوسف أنه استثنى الخنزير لشدة حرمته ، حتى لا تثبت إباحة شيء منه ، وغيره من السباع تثبت الإباحة في جلده; ولو تبين أنه حس آدمي أو حيوان أهلي مما يأوي البيوت لم يؤكل المصاب لأنه ليس بصيد .

قال : ( وإذا وقع الصيد في الماء ، أو على سطح أو جبل أو سنان رمح ، ثم تردى إلى الأرض لم يؤكل ) لأنه متردية ، قال عليه الصلاة والسلام لعدي : " وإن وقعت رميتك في الماء فلا تأكل ، فإنك لا تدري الماء قتله أم سهمك ؟ " فقد اجتمع دليلا الحل والحرمة; وكذلك لو وقع على شجرة أو قصبة أو حرف آجرة لاحتمال موته بهذه الأشياء .

( ولو وقع ابتداء على الأرض أكل ) لأنه لا يمكن الاحتراز عنه ، فلو اعتبرناه محرما انسد باب الصيد ، فما لا يمكن الاحتراز عنه كالعدم .

[ ص: 479 ] قال : ( وفي طير الماء إن أصاب الماء الجرح لم يؤكل ، وإلا أكل ) لإمكان الاحتراز عن الأول دون الثاني .

قال : ( ولا يؤكل ما قتلته البندقة والحجر والعصا والمعراض بعرضه ) لأن ذلك كله في معنى الموقوذة ( فإن خزق المعراض الجلد بحده أكل ) قال عليه الصلاة والسلام فيه : " ما أصاب بحده فكل ، وما أصاب بعرضه فلا تأكل " وإن جرحته الحجر إن كان ثقيلا لم يؤكل لاحتمال أنه قتله بثقله ، وإن كان خفيفا وبه حد لا يحل لأنها قتلته بحدها; ولو رماه بها فأبان رأسه أو قطع العروق لا يؤكل ، لأن العروق قد تنقطع بالثقل فوقع الشك ، ولعله مات قبل قطع العروق ، ولو كان للعصا حد فجرحت يؤكل لأنها بمنزلة المحدد . فالحاصل أن الموت إن كان بجرح بيقين حل ، وإن كان بالثقل لا يحل ، وكذا إن وقع الشك احتياطا .

قال : ( وإن رماه بسيف أو سكين فأبان عضوا منه أكل الصيد ) لوجود الجرح في الصيد وهو ذكاته ( ولا يؤكل العضو ) قال عليه الصلاة والسلام : " ما أبين من الحي فهو ميت " .

قال : ( وإن قطعه نصفين أكل ) لأن المبان منه ليس بحي ، إذ لا يتوهم بقاء حياته . قال : ( وإن قطعه أثلاثا أكل الكل إن كان الأقل من جهة الرأس ) لما تقدم بخلاف ما إذا كان الأقل مما يلي العجز ، لأنه يتوهم حياته فلا يؤكل; وإن رماه بسيف أو بسكين فإن جرحه بالحد حل ، وإن أصابه بقفا السكين أو بمقبض السيف لا يحل لأنه وقذ لا جرح .

ولو رماه فجرحه وأدماه حل ، وإن لم يدمه لا يحل لأن الإدماء شرط . قال عليه الصلاة والسلام : " ما أنهر الدم وأفرى الأوداج فكل " شرط الإنهار ، وقيل يحل لأن الدم قد ينحبس [ ص: 480 ] لغلظه وضيق المنفذ ، وعلى هذا إذا علقت الشاة بالعناب فذبحت ولم يسل منها الدم . وقال بعضهم : إن كانت الجراحة كبيرة حل بدون الإدماء ، وإن كانت صغيرة لا بد من الإدماء .

قال : ( ومن رمى صيدا فأثخنه ثم رماه آخر فقتله لم يؤكل ) لأن بالإثخان صارت ذكاته اختيارية فصار بالجرح الثاني ميتة ، وهذا إذا كان بحال ينجو من الرمية الأولى ليكون موته مضافا إلى الثانية ، وإن كان بحال لا يسلم من الأولى بأن قطع رأسه أو بقر بطنه ونحوه يحل لأن وجود الثانية كعدمها .

قال : ( ويضمن الثاني للأول قيمته غير نقصان جراحته ) لأنه أتلف عليه صيدا مملوكا له ، لأنه ملكه حيث أثخنه فخرج عن حيز الامتناع فلا يطيق براحا وهو معيب بالجراحة ، والقيمة تجب عند الإتلاف .

قال : ( وإن لم يثخنه الأول أكل ) لأنه صيد على حاله ( وهو للثاني ) لأنه هو الذي أخذه ، قال عليه الصلاة والسلام : " الصيد لمن أخذه " .




الخدمات العلمية