الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        إذا جاوز الدم بصفة التلفيق الخمسة عشر صارت مستحاضة ؛ كغيرها إذا جاوز دمها ، ولا صائر إلى الالتقاط من جميع الشهر وإن لم يزد مبلغ الدم على أكثر الحيض .

                                                                                                                                                                        وإذا صارت مستحاضة فالفرق بين حيضها واستحاضتها بالرجوع إلى العادة أو التمييز كغير ذات التلفيق .

                                                                                                                                                                        وقال محمد بن بنت الشافعي رحمهم الله تعالى : إن اتصل الدم المجاوز بدم الخمسة عشر فالحكم كذلك . وإن انفصل بتخلل نقاء فالمجاوز استحاضة . وجميع ما في الخمسة عشر من الدماء حيض . وفي نقائها القولان .

                                                                                                                                                                        مثال المتصل : رأت ستة دما ، ثم ستة نقاء ، ثم ستة دما .

                                                                                                                                                                        ومثال غير المتصل : رأت يوما ، ويوما ، فالسادس عشر نقاء ، هذا قول ابن بنت الشافعي . وبه قال أبو بكر المحمودي وغيره .

                                                                                                                                                                        والصحيح : أنها مستحاضة في الجميع ، وعليه التفريع . فالمستحاضات خمس :

                                                                                                                                                                        [ ص: 167 ] الأولى : المعتادة الحافظة عادتها . وهي ضربان :

                                                                                                                                                                        ( الضرب الأول ) عادة لا ينقطع فيها . ( والثاني ) عادة منقطعة . فالتي لا ينقطع لها كل عادة ، ترد إليها عند الإطباق . والمجاوزة ترد إليها عند التقطع والمجاوزة . ثم على قول السحب : كل دم يقع في أيام العادة وكل نقاء يتخلل دمين فيها فهو حيض .

                                                                                                                                                                        والنقاء الذي لا يتخلل ليس بحيض . وأيام العادة كالخمسة عشر عند عدم المجاوزة ، فلا معدل عنه . وعلى قول التلفيق : فيما يجعل حيضا وجهان :

                                                                                                                                                                        أصحهما : قدر عادتها من الدماء الواقعة في الخمسة عشر . فإن لم تبلغ الدماء في خمسة عشر قدر عادتها جعل الموجود فيها حيضا .

                                                                                                                                                                        والثاني : حيضها الدماء الواقعة في أيام العادة لا غير .

                                                                                                                                                                        مثاله : كانت تحيض خمسة متوالية من أول الشهر ، فيقطع دمها يوما يوما ، فعلى السحب : حيضها خمسة من أول الدور . وعلى التلفيق : من الخمسة عشر حيضها الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع .

                                                                                                                                                                        وعلى التلفيق من العادة : حيضها الأول والثالث والخامس . ولو كانت تحيض ستة ، فعلى السحب : حيضها خمسة ، وسقط السادس ؛ لأنه ليس محتوشا بدمي حيض في أيام العادة .

                                                                                                                                                                        وعلى التلفيق من الخمسة عشر : حيضها أيام الدماء ، آخرها الحادي عشر . وعلى التلفيق من العادة : حيضها الأول والثالث والخامس . ولو انتقلت عادتها بتقدم ، أو تأخر ، ثم استحيضت ، عاد الخلاف كما ذكرنا في حالة الإطباق . وكذا الخلاف فيما تثبت به العادة .

                                                                                                                                                                        مثال التقدم : كان عادتها خمسة من ثلاثين ، فرأت في بعض الأشهر يوم الثلاثين دما ، واليوم الذي بعده نقاء ، وهكذا إلى أن انقطع دمها ، وجاوز الخمسة عشر ، قال أبو إسحاق : حيضها أيامها القديمة ، وما قبلها استحاضة .

                                                                                                                                                                        فإن سحبنا فحيضها اليوم الثاني والثالث والرابع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 168 ] قال الجمهور - وهو المذهب - : تنتقل العادة بمرة . فإن سحبنا ، فحيضها خمسة متوالية . أولها : الثلاثون ، وإن لفقنا من العادة ، فحيضها الثلاثون . والثاني ، والرابع ، إن لفقنا من الخمسة عشر ، ضممنا إليها السادس ، والثامن .

                                                                                                                                                                        ومثال التأخر : أن ترى في بعض الأشهر ، اليوم الأول : نقاء . والثاني : دما ، واستمر التقطع .

                                                                                                                                                                        فعند أبي إسحاق : الحكم كما سبق في الصورة السابقة . وعلى المذهب : إن سحبنا فحيضها خمسة متوالية ، أولها الثاني ، وإن لفقنا من العادة فالثاني والرابع والسادس . وهو : إن خرج عن العادة القديمة ، فبالتأخر انتقلت عادتها ، وصار الثاني أولها والسادس آخرها ، وإن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الثامن والعاشر . وقد صار طهرها السابق على الاستحاضة في هذه الصورة ، ستة وعشرين ، وفي صورة التقدم ، أربعة وعشرين . ولو لم يتقدم الدم في المثال المذكور ولا تأخر ، لكن تقطع هو والنقاء يومين يومين ، لم يعد خلاف أبي إسحاق ، بل مبني على القولين . فإن سحبنا ، فحيضها خمسة متوالية . والسادس استحاضة ، كالدماء بعده ، وإن لفقنا من العادة ، فحيضها الأول والثاني والخامس ، وإن لفقنا من الخمس عشر ، ضممنا إليها السادس والتاسع .

                                                                                                                                                                        وحكي وجه شاذ : أن الخامس لا يجعل حيضا إذا لفقنا من العادة ولا التاسع إذا لفقنا من الخمسة عشر ؛ لأنهما ضعفا باتصالهما بدم الاستحاضة .

                                                                                                                                                                        ويجرى هذا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها عن أيام العادة ، إن اقتصرنا عليها ، أو عن الخمسة عشر إن اعتبرناها . هذا بيان حيضها .

                                                                                                                                                                        فأما قدر طهرها بعده ، إلى استئناف حيضة أخرى ، فينظر ، إن كان التقطع ، بحيث ينطبق الدم على أول الدور ، فهو ابتداء الحيضة الأخرى ، وإن لم ينطبق ، فابتداؤها أقرب نوب الدماء إلى الدور ، تقدمت أو تأخرت ، فإن استويا في التقدم والتأخر ، فابتداء حيضها النوبة المتأخرة ، ثم قد يتفق التقدم والتأخر في بعض أدوار الاستحاضة ، دون بعض .

                                                                                                                                                                        وطرائق معرفة ذلك أن تأخذ [ ص: 169 ] نوبة دم ونقاء ، وتطلب عددا صحيحا يحصل من مضروب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها ، فإن وجدته ، فاعلم انطباق الدم على أول الدور ، وإلا ، فاضربه في عدد يكون الحاصل منه أقرب إلى دورها ، زائدا كان أو ناقصا . واجعل حيضها الثاني ، أقرب الدماء إلى أول الدور ، فإن استوى طرف الزيادة والنقص فالاعتبار بالزائد ؛ مثاله : عادتها خمسة من ثلاثين ، وتقطعا يوما يوما وجاوز ، فنوبة الدم يوم ، ونوبة النقاء مثله . وتجد عددا إذا ضربت الاثنين فيه بلغ ثلاثين ، وهو خمسة عشر ، فيعلم انطباق الدم ، على أول دورها أبدا ، ما دام التقطع بهذه الصفة .

                                                                                                                                                                        ولو كانت المسألة بحالها ، وانقطع يومين يومين ، فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة فيه ثلاثون . فاطلب ما يقرب الحاصل فيه من الضرب فيه من ثلاثين وهنا عددان سبعة وثمانية ، أحدهما : يحصل منه ثمانية وعشرون .

                                                                                                                                                                        والآخر : اثنان وثلاثون . فاستوى طرفا الزيادة والنقص ، فخذ بالزيادة ، واجعل أول الحيضة الأخرى ، الثالث والثلاثين . وحينئذ ، يعود خلاف أبي إسحاق ، لتأخر الحيض ، فحيضها عنده في الدور الثاني ، هو اليوم الثالث والرابع فقط على القولين .

                                                                                                                                                                        وأما على المذهب ، فإن سحبنا فحيضها خمسة متوالية أولها الثالث . وإن لفقنا من العادة فحيضها الثالث والرابع والسابع . وإن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الثامن والحادي عشر .

                                                                                                                                                                        ثم في الدور الثالث ، ينطبق الدم على أول الدور ، فلا يبقى خلاف أبي إسحاق ، ويكون الحكم كما ذكرنا في الدور الأول . وفي الدور الرابع يتأخر الحيض ويعود الخلاف وعلى هذا أبدا .

                                                                                                                                                                        ولو كانت المسألة بحالها ورأت ثلاثة أيام دما ، وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة . ولا تجد عددا إذا ضربت السبعة فيه بلغ ثلاثين ، فاضربه في أربعة ، لتبلغ ثمانية وعشرين . واجعل أول الحيضة الثانية ، التاسع والعشرين .

                                                                                                                                                                        وقد تقدم الحيض على أول الدور . [ ص: 170 ] فعلى قياس أبي إسحاق ما قبل الدور استحاضة ، وحيضها اليوم الأول فقط على القولين . وقياس المذهب ، لا يخفى . ولو كانت عادتها ستة من ثلاثين ، ويقطع الدم في بعض الأدوار ، ستة ستة ، وجاوز ، ففي الدور الأول حيضها الستة الأولى بلا خلاف .

                                                                                                                                                                        وأما الدور الثاني ، فإنها ترى ستة من أوله نقاء ، وهي أيام العادة . فعند أبي إسحاق : لا حيض لها في هذا الدور أصلا ، وعلى المذهب ، وجهان :

                                                                                                                                                                        أصحهما : تحيضها الستة الثانية ، على قولي السحب والتلفيق جميعا . والثاني : حيضها الستة الأخيرة من الدور الأول . ويجيء هذا الوجه ، حيث خلا جميع أيام العادة عن الحيض .

                                                                                                                                                                        هذا كله ، إذا لم ينقص الدم الموجود في زمن العادة عن أقل الحيض . فإن نقص ، بأن كانت عادتها يوما وليلة ، فرأت في بعض الأدوار يوما دما ، وليلة نقاء . واستحيضت فثلاثة أوجه على قول السحب ، الأصح لا حيض لها في هذه الصورة . والثاني ، تعود إلى قول التلفيق . والثالث : حيضها الأول والثاني والليلة بينهما .

                                                                                                                                                                        وأما على قول التلفيق ، فلا حيض لها إن لفقنا على العادة . فإن لفقنا من الخمسة عشر ؛ حيضها الأول والثاني وجعلنا الليلة بينهما طهرا .

                                                                                                                                                                        قلت : قوله : لا حيض لها إن لفقنا من العادة هو الأصح .

                                                                                                                                                                        وذكر الإمام وجها آخر عن المحمودي : أنه تلفق من الخمسة عشر . وادعى في ( الوسيط ) أنه لا طريق غيره . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الضرب الثاني : العادة المتقطعة . فإذا استمرت لها عادة متقطعة قبل الاستحاضة ، ثم استحيضت مع التقطع ، نظر ، إن كان التقطع بعد الاستحاضة كالتقطع قبلها ، فمردها قدر حيضها على اختلاف القولين .

                                                                                                                                                                        مثاله : كانت ترى ثلاثة دما ، وأربعة نقاء ، وثلاثة دما ، وتطهر عشرين ، ثم استحيضت ، والتقطع على هذه الصفة ، فإن سحبنا كان حيضها قبل الاستحاضة [ ص: 171 ] عشرة ، وكذا بعدها .

                                                                                                                                                                        وإن لفقنا ، كان حيضها ستة ، بتوسط بين نصفيها أربعة ، وكذا الآن . فإن اختلف التقطع ، بأن تقطع في المثال المذكور في بعض الأدوار يوما يوما ، ثم استحيضت ، فإن سحبنا ، فحيضها الآن تسعة أيام .

                                                                                                                                                                        وإن لفقنا من العادة ، فحيضها الأول ، والثالث ، والتاسع ، إذ ليس لها في أيام حيضها القديم على هذا القول دم ، إلا في هذه الثلاثة . وإن لفقنا من الخمسة عشر ضممنا إليها الخامس والسابع والحادي عشر .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية