الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ويستر الميت عن العيون ، ولا يحضر إلا من يعين في غسله ، ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ، ويعصر بطنه عصرا رفيقا ، ويكثر صب الماء حينئذ ، ثم يلف على يده خرقة فينجيه . ولا يحل مس عورته ، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ، ثم ينوي غسله ويسمي ، ويدخل إصبعيه مبلولتين بالماء بين شفتيه ، فيمسح أسنانه ، وفي منخريه فينظفهما ، ويوضئه . ولا يدخل الماء في فيه ولا أنفه ، ويضرب السدر ، فيغسل برغوته رأسه ولحيته وسائر بدنه ، ثم يغسل شقه الأيمن ، ثم الأيسر . ثم يفيض الماء على جميع بدنه ، يفعل ذلك ثلاثا ، يمر يده في كل مرة ، فإن لم ينق بالثلاث ، أو خرج منه شيء غسله إلى خمس ، فإن زاد فإلى سبع . ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ، والماء الحار ، والخلال ، والأشنان يستعمل إن احتيج إليه ، ويقص شاربه ، ويقلم أظفاره . ولا يسرح شعره ولا لحيته ، ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ، ويسدل من ورائها . ثم ينشفه بثوب وإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه بالقطن ، فإن لم يستمسك فبالطين الحر ، ثم يغسل المحل ويوضأ ، وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويستر الميت عن العيون ) تحت ستر أو سقف ; لأنه ربما كان به عيب يستره في حياته ، أو تظهر عورته ، واستحب ابن سيرين أن يكون البيت مظلما ، ذكره أحمد ; لأنه أستر ، فدل على أنه لا يستحب تغسيله تحت السماء لئلا يستقبلها بعورته ، وللخبر ، ولا ينظر الغاسل إلا لما لا بد منه ( ولا يحضره إلا من يعين في غسله ) لأنه ربما حدث أمر يكره الحي أن يطلع منه على مثله ، وربما ظهر فيه شيء ; وهو في الظاهر منكر ، فيتحدث به ، فيكون فضيحة ، والحاجة غير داعية إلى حضوره ، بخلاف من يعين الغاسل بصب ونحوه ، واستثنى القاضي وابن عقيل : أن لوليه الدخول عليه كيف شاء ( ثم يرفع رأسه برفق إلى قريب من الجلوس ، ويعصر بطنه ) ليخرج ما في جوفه من نجاسة ( عصرا رفيقا ) لأن الميت في محل الشفقة والرحمة ، وعنه : يفعله في الثانية ، وعنه : بل في الثالثة ; لأنه لا يلين حتى يصيبه الماء ، ويستثنى منه الحامل فإنه لا يعصر بطنها لخبر رواه الخلال ، وظاهره أنه لا يجلسه ; لأن فيه أذية له ، ويكون ثم بخور لئلا يظهر منه ريح ( ويكثر صب الماء حينئذ ) ليذهب ما خرج ، ولا يظهر رائحته ( ثم يلف على يده خرقة فينجيه ) وفاقا ; لأن في ذلك إزالة النجاسة ، وطهارة للميت من غير تعدي النجاسة إلى الغاسل ، وظاهره أنه لا يكفي مسحها ، ولا وصول الماء ، بل يجب أن ينجى ، ويكفيه خرقة واحدة ، قاله في المجرد ، وقال غيره : بل لا بد لكل فرج من [ ص: 228 ] خرقة ; لأن كل خرقة خرج عليها شيء من النجاسة لا يعتد بها إلا أن تغسل ( ولا يحل مس العورة ) لأن النظر إليها حرام ، فمسها أولى ( ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة ) لفعل علي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وليزيل ما على بدنه من النجاسة ، ويأمن مس العورة المحرم مسها قال ابن عقيل : بدنه عورة إكراما له من حيث وجب ستر جميعه فيحرم ، ولا يجوز أن يحضره إلا من يعين في أمره ; وهو ظاهر كلام أبي بكر ، فحينئذ يعد الغاسل خرقتين ، إحداهما للسبيلين ، والأخرى لبقية بدنه ( ثم ينوي غسله ) وهي فرض على الغاسل على الأصح لأنها طهارة تعبدية ، أشبهت غسل الجنابة . والثانية وهي ظاهر الخرقي ، وابن أبي موسى ، وابن عقيل في " التذكرة " : لا ; لأن القصد التنظيف أشبه غسل النجاسة ، والأولى أولى ، لأنه لو كان كذلك لما وجب غسل متنظف ، ولجاز غسله بماء الورد ونحوه ، وظاهر أنه لا يجب الفعل ، وهو وجه ، فلو كان الميت تحت ميزاب ، فنوى غسله إنسان ، ومضى زمن بعد النية أجزأ ويجب في آخر ; وهو ظاهر كلام أحمد ، فعلى هذا لا يجزئ ، فلو حمل ووضع تحت ميزاب بنية غسله أجزأ وجها واحدا ، وكذا حكم الغريق ( ويسمي ) وفيها الروايات السابقة ( أصبعيه ) وهما السبابة والإبهام بعد غسل كفيه ، نص عليه ( مبلولتين بالماء بين شفتيه ، فيمسح أسنانه ، وفي منخريه فينظفهما ) لإزالة ما على تلك الأعضاء من الأذى ، ولا يجب ذلك في الأصح ، والأولى أن يكون ذلك بخرقة ، نص عليه ، صيانة لليد ، وإكراما للميت ، قاله الزركشي ، وقال ابن أبي موسى : يصب الماء على فيه وأنفه ، ولا يدخله فيهما ( ويوضئه ) كوضوء الصلاة لما في الصحيح [ ص: 229 ] أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأم عطية في غسل ابنته : ابدأن بميامنها ، ومواضع الوضوء منها ، وظاهره أنه لا يمسح رأسه ، قال أحمد : يوضأ الميت مرة واحدة في الغسلة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعاد ; وهو مستحب لقيام موجبه ; وهو زوال عقله ، وظاهر كلام القاضي وابن الزاغوني أنه واجب ( ولا يدخل الماء في فيه ، ولا كلاهما ) لأنه لا يؤمن معه وصوله إلى جوفه فيفضي إلى المثلة ، وربما حصل من الانفجار ، وبهذا علل أحمد ( ويضرب السدر فيغسل برغوته ) هو مثلث الراء ( رأسه ، ولحيته ، وسائر بدنه ) لقوله ـ عليه السلام ـ في المحرم : اغسلوه بماء وسدر ، وقوله للنساء اللاتي غسلن ابنته : اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك ، بماء وسدر ولأن الرغوة تزيل الدرن ، ولا تعلق بالشعر ، وتزول بمجرد مرور الماء ، وصريحه أن استعماله يكون في جميع البدن ، وفي " الكافي " ، و " المحرر " ، وقدمه في " الفروع " أنه يكون في الرأس واللحية فقط ، ولا يشترط كونه يسيرا خلافا لابن حامد ، وقال : إنه الذي وجد عليه أصحابنا ؛ ليجمع بين العمل بالخبر ، ويكون الماء باقيا على إطلاقه ، وقال القاضي وأبو الخطاب : يغسل أول مرة بماء وسدر ثم يغسل عقب ذلك بالماء القراح ، فيكون الجميع غسلة واحدة ، والاعتداد بالآخر منهما ; لأن أحمد شبه غسله بغسل الجنابة ; لأن السدر إن كثر سلب الطهورية ، واليسير لا يؤثر بناء على أن الماء تزول طهوريته بتغيره بالطهارات ، والمؤلف لا يراه ، لكن إن غلب على أجزائه سلبه الطهورية قولا واحدا ، والمنصوص أنه يكون في كل الغسلات ( ثم يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ) لقوله ـ عليه السلام ـ ابدأن بميامنها ولأنه مسنون في غسل الحي فكذا الميت [ ص: 230 ] ( ثم يفيض الماء على جميع بدنه ) ليعمه بالغسل ، وصفته أن يغسل رأسه ولحيته أولا ، ثم يده اليمنى من منكبه إلى كتفه ، وصفحة عنقه اليمنى ، وشق صدره وفخذه وساقه ، فيغسل الظاهر منه ; وهو مستلق ، ثم يغسل الأيسر كذلك ، ثم يرفعه من جانبه الأيمن ، ولا يكبه لوجهه ، فيغسل الظهر وما هناك من وركه وفخذه وساقه ، ثم يغسل شقة الأيسر كذلك ، ذكره القاضي والمؤلف ، فيفرغ من غسله مرة في أربع دفعات ، وظاهر كلام أحمد ، وأبي الخطاب ، وقاله المجد : يفعل ذلك في دفعتين ، فيحرفه أولا على جنبه الأيسر ، فيغسل شقه الأيمن من جهة ظهره وصدره ، ثم يحرفه على جنبه الأيمن ويغسل الأيسر كذلك ، والأول أبلغ في التنظيف ، وكيفما فعل أجزأه ( فيفعل ذلك ثلاثا ) لما تقدم إلا الوضوء فإنه مختص بأول مرة ، وقيل : يعاد ، وحكي رواية . والتثليث مستحب ، ويجزئ مرة كالجنابة ، لكن يكره الاقتصار عليها ، نص عليه ( يده في كل مرة ) على بطنه برفق ; لأن فيه إخراجا لما تخلف ، وأمنا من فساد الغسل بما يخرج منه بعد ( فإن لم ينق بالثلاث أو خرج منه شيء غسله إلى خمس ، فإن زاد فإلى سبع ) لما سبق ، واختار أبو الخطاب ، وابن عقيل : أنه إذا خرج منه نجاسة بعد الثالثة أنه لا يعاد غسله ، بل غسل محل النجاسة ويوضأ ; لأن حكم الحي كذلك ، فالميت مثله ، والمذهب خلافه ; لأن الظاهر أن الشارع إنما كرر الأمر بغسلها من أجل توقع النجاسة ، وظاهره : أن الخارج لا فرق بين أن يكون من السبيلين أو من غيرهما ، وعنه : في الدم هو أسهل ، فعليها في الإعادة احتمالان .

                                                                                                                          [ ص: 231 ] فائدة : يستحب خضب لحية الرجل ورأس المرأة بالحناء ، نص عليه ( ويجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ) لقوله ـ عليه السلام ـ واجعلن في الآخرة كافورا متفق عليه ، ولأنه يصلب الجسم ، ويبرده ، ويطيبه ، ويطرد عنه الهوام بريحه ، قيل : مع السدر ، نقله الجماعة ، وعليه العمل ، ذكره الخلال ، وقيل : وحده في ماء قراح ، وقيل : يجعل في الكل ( والماء الحار والخلال ) هو العود الذي يتخلل به ( والأشنان يستعمل إن احتيج إليه ) كشدة برد أو إزالة وسخ ; لأن إزالته مطلوبة شرعا ، والمستحب أن تكون الخلال من شجرة لينة تنقي من غير جرح كالصفصاف ونحوه ، وظاهره : أنه إذا لم يحتج إليه لا يستعمله ، وصرح جماعة بالكراهة ; وهو الأصح ، بلا حاجة ; لأن السنة لم ترد به ، والمسخن يرخيه ، واستحبه ابن حامد ; لأنه ينقي ما لا ينقي البارد .

                                                                                                                          ( ويقص شاربه ، ويقلم أظافره ) أي : إن طال لقول أنس : اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم . ولأن تركه يقبح منظره ، فشرع إزالته ، كقبح عينيه ، ولأنه فعل مسنون في الحياة لا مضرة فيه ، أشبه الغسل ، وعنه : لا يقلم أظافره بل ينقي وسخها لكونها لا تظهر ; وهو ظاهر الخرقي ، فيخرج في نتف الإبط وجهان ، ويأخذ شعر إبطه في المنصوص ، وكذا عانته ، قاله في " المحرر " ، وتزال بالموسى أو المقراض ، نص عليه ، لفعل سعد بن أبي وقاص ، وقال القاضي : بنورة لأنها أسهل ، ولا يمسها بيده بل بحائل ، والمذهب أنها لا تؤخذ لما فيه من لمس العورة ، وربما احتاج إلى نظرها ; وهو محرم ، فلا [ ص: 232 ] تفعل لأجل مندوب ، وهذا في غير المحرم ، ويدفن معه ما أخذ منه كعضو ساقط ، ويعاد غسله ، نص عليه ; لأنه جزء منه كعضو ، والمراد : يستحب ، وظاهره : أنه لا يحلق رأسه ، وظاهر كلام جماعة يكره ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، ورد بأنه ليس من السنة في الحياة ، وإنما يراد به الزينة أو النسك ، وهما لا يطلبان هنا ، وكذا لا يختن ; لأنه إبانة جزء من أعضائه .

                                                                                                                          مسألة : يزال عظم نجس جبر به كسر إذا أمكن من غير مثلة كالحياة ، وقيل : لا ، وقيل : عكسه ، فإن كانت عليه جبيرة قلعت للغسل الواجب ، وإن سقط منه شيء بقيت ومسح عليها ، ولا يبقى خاتم ونحوه ، ولو ببردة ; لأن بقاءه إتلاف لغير غرض صحيح قال أحمد : يربط أسنانه بذهب إن خيف سقوطها وقيل : لا يجوز ، كما لو سقطت لم تربط به في الأصح ، ويؤخذ إن لم تسقط ( ولا يسرح شعره ، ولا لحيته ) نص عليه ، لقول عائشة : علام تقصون ميتكم ؛ أي : لا تسرحوا رأسه بالمشط ; لأنه يقطع الشعر وينتفه ، وقال القاضي وغيره يكره ، واستحبه ابن حامد إذا كان خفيفا ، وحكى ابن المنجا عنه ، وعن أبي الخطاب استحباب تسريح الشعر مطلقا ( ويضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ، ويسدل من ورائها ) نص عليه ، لقول أم عطية : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، وألقيناه من خلفها . رواه البخاري ، ولمسلم : فضفرنا شعرها ثلاثة قرون ، قرنيها وناصيتها ، وقال أبو بكر : أمامها ; لأنه يضفر على صدرها قيل لأحمد : العروس تموت [ ص: 233 ] فتجلى ، فأنكره شديدا ( ثم ينشفه بثوب ) هكذا فعل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولئلا ينبل كفنه فيفسد به ، وفي " الواضح " لأنه سنة في الحي في رواية ، ولا يتنجس ما نشف به في المنصوص ( وإن خرج منه شيء بعد السبع حشاه ) أي : محل الخارج ( بالقطن ) لمنع الخارج ، وكالمستحاضة ، وقال أبو الخطاب وصاحب " النهاية " : إنه يلجم المحل بالقطن ، فإن لم يمتنع حشاه به ، إذا الحشو يوسع المحل ، فلا يفعل إلا عند الحاجة ( فإن لم يستمسك ) الخارج ( بالقطن فبالطين الحر ) أي : الخالص ; لأنه له قوة تمنع الخارج ، وعنه : يكره وفاقا لمشايخ الحنفية ، وظاهره أنه لا يعاد غسله بعد السبع ، نص عليه ، وجزم به الأكثر ; لأنه ـ عليه السلام ـ لم يزد عليها ، وقال جماعة : إنه يعاد غسله ; لأن الزيادة على الثلاث لأجل الإنقاء ، فكذا ما بعد السبع ( ثم يغسل المحل ) أي : محل النجاسة ( ويوضأ ) وجوبا كالجنب إذا أحدث بعد غسله لتكون طهارته كاملة ، وعنه : لا ; وهي ظاهر الخرقي للمشقة والخوف عليه ( وإن خرج منه شيء بعد وضعه في أكفانه لم يعد إلى الغسل ) بل يحمل على حاله دفعا للمشقة ; لأنه يحتاج إلى إخراجه وإعادة غسله وتطهير أكفانه وتجفيفها أو إبدالها فيتأخر دفنه ; وهو مخالف للسنة ، ثم لا يؤمن مثل هذا بعده ، وظاهره : لا فرق بين الخارج أن يكون قليلا أو كثيرا ، وعنه : يعاد غسله ويطهر كفنه ، وعنه : من الكثير ، لكن إن وضع على الكفن ولم يلف ، ثم خرج منه شيء أعيد غسله ، قاله ابن تميم .




                                                                                                                          الخدمات العلمية