الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
أما الأيام المنهي عنها : فمنها أيضا متفق عليها ، ومنها مختلف فيها .
أما المتفق عليها : nindex.php?page=treesubj&link=2534فيوم الفطر ، ويوم الأضحى ; لثبوت النهي عن صيامهما .
وأما المختلف فيها : فأيام التشريق ، ويوم الشك ، ويوم الجمعة ، ويوم السبت ، والنصف الآخر من شعبان ، وصيام الدهر .
أما nindex.php?page=treesubj&link=2535أيام التشريق : فإن أهل الظاهر لم يجيزوا الصوم فيها . وقوم أجازوا ذلك فيها . وقوم كرهوه ، وبه قال مالك ، إلا أنه أجاز صيامها لمن وجب عليه الصوم في الحج - وهو المتمتع - ، وهذه الأيام هي : الثلاثة الأيام التي بعد يوم النحر .
والسبب في اختلافهم : تردد قوله - عليه الصلاة والسلام - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006998إنها أيام أكل وشرب " بين أن يحمل على الوجوب أو على الندب ، فمن حمله على الوجوب قال : الصوم يحرم ، ومن حمله على الندب قال : الصوم مكروه . ويشبه أن يكون من حمله على الندب إنما صار إلى ذلك ، وغلبه على الأصل الذي هو حمله على الوجوب ؛ لأنه رأى أنه إن حمله على الوجوب عارضه حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري الثابت بدليل الخطاب ، وهو أنه قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1006999لا يصح الصيام في يومين يوم الفطر من رمضان ويوم النحر " فدليل الخطاب يقتضي أن ما عدا هذين اليومين يصح الصيام فيه ، وإلا كان تخصيصهما عبثا لا فائدة فيه .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=2539يوم الجمعة : فإن قوما لم يكرهوا صيامه ، ومن هؤلاء مالك وأصحابه وجماعة ، وقوم كرهوا صيامه إلا أن يصام قبله أو بعده .
[ ص: 259 ] والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في ذلك :
فمنها : حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007000أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر قال : وما رأيته يفطر يوم الجمعة " وهو حديث صحيح .
ومنها : حديث جابر : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007001أن سائلا سأل جابرا أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يفرد يوم الجمعة بصوم ؟ قال : نعم ورب هذا البيت " خرجه مسلم .
ومنها : حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007002لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله أو يصوم بعده " خرجه أيضا مسلم .
فمن أخذ بظاهر حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، أجاز صيام يوم الجمعة مطلقا ، ومن أخذ بظاهر حديث جابر كرهه مطلقا ، ومن أخذ بحديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة جمع بين الحديثين - أعني : حديث جابر وحديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - .
وأما يوم الشك : فإن جمهور العلماء على النهي عن nindex.php?page=treesubj&link=2536صيام يوم الشك على أنه من رمضان لظواهر الأحاديث التي يوجب مفهومها تعلق الصوم بالرؤية أو بإكمال العدد إلا ما حكيناه عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر .
واختلفوا في تحري صيامه تطوعا ، فمنهم من كرهه على ظاهر حديث عمار : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007003من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم " . ومن أجازه فلأنه قد روي أنه - عليه الصلاة والسلام - صام شعبان كله ، ولما قد روي من أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007004لا تتقدموا رمضان بيوم ولا بيومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم فليصمه " . وكان nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد يقول : إنه إن صامه على أنه من رمضان ثم جاء الثبت أنه من رمضان أجزأه ، وهذا دليل على أن النية تقع بعد الفجر في التحول من نية التطوع إلى نية الفرض .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=2540يوم السبت : فالسبب في اختلافهم فيه ، اختلافهم في تصحيح ما روي من أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007005لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم " خرجه أبو داود ، قالوا : والحديث منسوخ ، نسخه حديث nindex.php?page=showalam&ids=149جويرية بنت الحارث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007006أن النبي - عليه الصلاة والسلام - دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال : صمت أمس ؟ فقالت : لا ، فقال : تريدين أن تصومي غدا ؟ قالت : لا ، قال : فأفطري " .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=2476صيام الدهر : فإنه قد ثبت النهي عن ذلك . لكن مالكا لم ير بذلك بأسا ، وعسى رأى النهي في ذلك إنما هو من باب خوف الضعف والمرض .
وأما nindex.php?page=treesubj&link=26781صيام النصف الآخر من شعبان : فإن قوما كرهوه ، وقوما أجازوه . فمن كرهوه فلما روي من أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007007لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان " . ومن أجازه فلما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة قالت : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007008ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صام شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان " . ولما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007009كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرن شعبان برمضان " . وهذه الآثار خرجها nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي .
وأما الركن الثاني وهو النية : فلا أعلم أن أحدا لم يشترط nindex.php?page=treesubj&link=2372النية في صوم التطوع ، وإنما اختلفوا في وقت النية على ما تقدم .
وأما الركن الثالث - وهو الإمساك عن المفطرات - : فهو بعينه الإمساك الواجب في الصوم المفروض ، والاختلاف الذي هنالك لاحق هاهنا .
وأما حكم الإفطار في التطوع : فإنهم أجمعوا على أنه ليس على من دخل في صيام تطوع فقطعه لعذر قضاء .
[ ص: 260 ] واختلفوا إذا قطعه لغير عذر عامدا : فأوجب مالك وأبو حنيفة عليه القضاء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وجماعة : ليس عليه قضاء .
والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في ذلك ، وذلك أن مالكا روى أن حفصة وعائشة زوجي النبي - عليه الصلاة والسلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=1007010أصبحتا صائمتين متطوعتين ، فأهدى لهما الطعام فأفطرتا عليه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا عليكما ، اقضيا يوما مكانه " .
وعارض هذا حديث أم هانئ قالت : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007011لما كان يوم الفتح فتح مكة ، جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=94وأم هانئ عن يمينه ، قالت : فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب ، فناولته فشرب منه ، ثم ناوله أم هانئ ، فشربت منه ، قالت : يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة ، فقال لها - عليه الصلاة والسلام - : أكنت تقضين شيئا ؟ قالت : لا ، قال : فلا يضرك إن كان تطوعا " . واحتج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في هذا المعنى بحديث عائشة أنها قالت : " دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أنا خبأت لك خبئا ، فقال : أما إني كنت أريد الصيام ولكن قربيه " . وحديث عائشة nindex.php?page=showalam&ids=41وحفصة غير مسند .
ولاختلافهم أيضا في هذه المسألة سبب آخر ، هو تردد الصوم التطوع بين قياسه على صلاة التطوع أو على حج التطوع ، وذلك أنهم أجمعوا على أن من دخل في الحج والعمرة متطوعا يخرج منهما أن عليه القضاء ، وأجمعوا على أن من خرج من صلاة التطوع فليس عليه قضاء فيما علمت ، وزعم من قاس الصوم على الصلاة أنه أشبه بالصلاة منه بالحج ; لأن الحج له حكم خاص في هذا المعنى ، وهو أنه يلزم المفسد له المسير فيه إلى آخره ، وإذا أفطر في التطوع ناسيا فالجمهور على أن لا قضاء عليه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية : عليه القضاء قياسا على الحج ، ولعل مالكا حمل حديث أم هانئ على النسيان ، وحديث أم هانئ خرجه أبو داود ، وكذلك خرج حديث عائشة بقريب من اللفظ الذي ذكرناه ، وخرج حديث عائشة وحفصة بعينه .