الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء

المعنى في هذه الآية: ولا يقصدن ترك الإخفاء للزينة الباطنة كالخلخال والأقراط ونحوه، ويطرحن مؤونة التحفظ إلا مع من سمي. وبدأ بالبعولة وهم الأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من هذا، ثم ثنى به المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكنهم تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها، وتختلف مراتب ما يبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج.

وقوله تعالى: "أو نسائهن" يعني جميع المؤمنات، فكأنه قال: أو صنفهن، ويدخل في هذا الإماء المؤمنات، ويخرج منه نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة رضي الله عنه: إنه بلغني أن نساء أهل الذمة يدخلن الحمامات مع نساء المسلمين، فامنع من ذلك وحل دونه، فإنه لا يجوز أن ترى الذمية عرية المسلمة، قال: فعند ذلك قام أبو عبيدة فابتهل وقال: أيما امرأة تدخل الحمام من غير عذر، لا تريد إلا أن تبيض وجهها فسود الله وجهها يوم تبيض الوجوه .

وقوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهن يدخل فيه الإماء الكتابيات، ويدخل فيه العبيد عند جماعة من أهل العلم، وهو الظاهر من مذهب عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة العلماء: لا يدخل العبد على سيدته فيرى شعرها ونحو ذلك إلا أن يكون وغدا، فمنعت هذه الفرقة الكشف بملك اليمين، [ ص: 377 ] وأباحته بأن يكون من التابعين غير أولي الإربة، وفي بعض المصاحف "أو ما ملكت أيمانكم" فيدخل فيه عبد الغير.

وقوله: "أو التابعين" يريد الأتباع [الذين يدخلون] ليطعموا الفضول، وهم من الرجال الذين لا إربة لهم في الوطء، فهي شرطان، ويدخل في هذه الصفة المجبوب والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمن الموقوذ بزمانته، ونحو هذا هو الغالب في هذه الأصناف، ورب مخنث لا ينبغي أن يكشف، ألا ترى إلى حديث " هيت " ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشفه على النساء لما وصف بادية بنت غيلان بن معتب ؟ وتأمل ما روي في أخبار الدلال المخنث، وكذلك الحمقى والمعتوهون فيه ممن لا ينبغي أن يكشف، والذي لا إربة له من الرجال قليل.

و "الإربة": الحاجة إلى الوطء، وعبر عن هذا بعض المفسرين فقال: هو الذي يتبعك لا يريد إلا الطعام وما يأكله، وقرأ عاصم ، وابن عامر : "غير" بالنصب، وهو على الحال من الذكر الذي في "التابعين"، أو على الاستثناء من "التابعين"، وقرأ الباقون: "غير" بالخفض على النعت لـ "التابعين"، والقول [ ص: 378 ] فيها كالقول في غير المغضوب عليهم .

وقوله تعالى: "أو الطفل" اسم جنس بمعنى الجمع، ويقال: "طفل" ما لم يراهق الحلم، و "يظهروا" معناه: يطلعون بالوطء، والجمهور على إسكان الواو من "عورات"، وروي عن ابن عامر فتح الواو، وقال الزجاج : الأكثر سكون الواو، كجوزات وبيضات لثقل الحركة على الواو والياء، ومن قرأ بالفتح فعلى الأصل في فعلة وفعلات.

التالي السابق


الخدمات العلمية