الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله عز وجل:

ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير

"ألم تر" تنبيه، و "الرؤية" رؤية الفكر، قال سيبويه : كأنه قال: انتبه، الله يسبح له من في السماوات، و "التسبيح" هنا التعظيم والتنزيه، فهو من العقلاء بالنطق وبالصلاة من كل ذي دين، واختلف في تسبيح الطير وغير ذلك مما قد ورد الكتاب بتسبيحه، فالجمهور على أنه تسبيح حقيقي، وقال الحسن وغيره: هو لفظ تجوز، وإنما تسبيحه بظهور الحكمة فيه، فهو -لذلك- يدعو إلى التسبيح.

وقال المفسرون: قوله تعالى: من في السماوات والأرض عامة لكل شيء، من له عقل وسائر الجمادات، لكنه لما اجتمع ذلك عبر عنه بـ "من" تغليبا لحكم من [ ص: 397 ] يعقل. و "صافات" معناه: مصطفة في الهواء، وقرأ الأعرج : "والطير" بنصب الراء، وقرأ الحسن : "والطير صافات" مرفوعتان.

وقوله تعالى: كل قد علم صلاته وتسبيحه ، قال الحسن : المعنى: كل قد علم صلاة نفسه وتسبيح نفسه، فهو يثابر عليهما ويؤديهما، قال مجاهد : الصلاة للبشر والتسبيح لما عداهم، وقالت فرقة: المعنى: كل قد علم صلاة الله وتسبيح الله اللذين أمر بهما وهدى إليهما، فهذه إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج وغيره: المعنى: كل قد علم الله صلاته وتسبيحه، فالضميران للكل. وقرأت فرقة: "علم صلاته وتسبيحه" بالرفع وبناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله، ذكرها أبو حاتم ، وقرأ الجمهور : "يفعلون" بالياء، على معنى المبالغة في وصف قدرة الله وعلمه بخلقه، وقرأ عيسى ، والحسن : "تفعلون" بالتاء من فوق، ففيه المعنى المذكور وزيادة الوعيد والتخويف من الله تعالى، وإعلام بعد بكون الملك على الإطلاق له، وتذكيره بأمر المصير إليه والحشر يقوي أمر التخويف من الله تبارك وتعالى. وفي مصحف أبي بن كعب رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه: "والله بصير بما تفعلون".

التالي السابق


الخدمات العلمية