قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=19570_28723_30614_31780_31788_31791_32024_34308_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا nindex.php?page=treesubj&link=18669_28725_30549_34321_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا
هذه الآية رد على كفار
قريش في استبعادهم أن يكون من البشر رسول، وقولهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ، وأخبر الله تعالى
محمدا صلى الله عليه وسلم وأمته أنه لم يرسل قبل في سالف الدهر نبيا إلا بهذه الصفة.
والمفعول بـ "أرسلنا" محذوف يدل عليه الكلام، تقديره: رجالا أو رسلا، وعلى هذا المحذوف المقدر يعود الضمير في قوله: "إلا إنهم"، وذهبت فرقة إلى أن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20ليأكلون الطعام كناية عن الحدث.
[ ص: 428 ] وقرأ جمهور الناس: "ويمشون" بفتح الياء وسكون الميم وتخفيف الشين. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ،
وعبد الرحمن ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهم: "ويمشون" بضم الياء وفتح الميم وشد الشين المفتوحة، بمعنى: يدعون إلى المشي ويحملون عليه. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12067أبو عبد الرحمن بضم الياء وفتح الميم وضم الشين المشددة، وهي بمعنى يمشون، ومنه قول الشاعر:
أمشي بأعطان المياه وأبتغي قلائص منها صعبة وركوب
ثم أخبر تبارك وتعالى أن السبب في ذلك أنه سبحانه أراد أن يجعل بعض العبيد فتنة لبعض على العموم في جميع الناس، مؤمن وكافر، فالصحيح فتنة للمريض، والغني فتنة للفقير، والفقير الشاكر فتنة للغني، والرسول المخصوص بكرامة النبوة فتنة لأشراف الناس الكفار في عصره، وكذلك العلماء وحكام العدل، وقد تلا
ابن القاسم هذه الآية حين رأى
nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب . والتوقيف بـ "أتصبرون" خاص للمؤمنين المحقين، فهو لأمة
محمد صلى الله عليه وسلم، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين، أي اختبارا لهم، ثم وقفهم: هل تصبرون أم لا؟ ثم أعرب قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وكان ربك بصيرا عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين.
ثم أخبر عن مقالة الكفار:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21لولا أنزل علينا الملائكة الآية، وقوله تعالى: "يرجون"، قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة وقوم: معناه: يخافون، والشاهد لذلك قول
الهذلي :
[ ص: 429 ] إذا لسعته النحل لم يرج لسعها وخالفها في بيت نوب عوامل
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
والذي يظهر لي أن الرجاء في الآية والبيت على بابه; لأن خوف لقاء الله تعالى مقترن أبدا برجائه، فإذا نفي الرجاء عن أحد فإنما أخبر عنه أنه مكذب بالبعث لنفي الخوف والرجاء، وفي ذكر الكفار بنفي الرجاء تنبيه على غبطة ما فاتهم من رجاء الله تعالى. وأما بيت الشعر المذكور فمعناه عندي: لم يرج دفعها ولا الانفكاك عنها، فهو لذلك يوفي على الصبر ويجد في شغله.
ولما تمنت كفار
قريش رؤية ربهم أخبر تعالى عنهم أنهم عظموا أنفسهم، وسألوا ما ليسوا له بأهل، و "عتوا" معناه: صعبوا على الحق واشتدوا، ويقال: عتي وعتو، عتو على الأصل ، وعتي لاستثقال الضم على الواو فقلبت ياء ثم كسر ما قبلها طلبا للتناسب.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=19570_28723_30614_31780_31788_31791_32024_34308_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا nindex.php?page=treesubj&link=18669_28725_30549_34321_34513_28996nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا
هَذِهِ الْآيَةُ رَدٌّ عَلَى كُفَّارِ
قُرَيْشٍ فِي اسْتِبْعَادِهِمْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْبَشَرِ رَسُولٌ، وَقَوْلِهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=7مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّتَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ قَبْلُ فِي سَالِفِ الدَّهْرِ نَبِيًّا إِلَّا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَالْمَفْعُولُ بِـ "أَرْسَلْنَا" مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، تَقْدِيرُهُ: رِجَالًا أَوْ رُسُلًا، وَعَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ الْمُقَدَّرِ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: "إِلَّا إِنَّهُمْ"، وَذَهَبَتْ فِرْقَةٌ إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ كِنَايَةٌ عَنِ الْحَدَثِ.
[ ص: 428 ] وَقَرَأَ جُمْهُورُ النَّاسِ: "وَيَمْشُونَ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ ،
وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: "وَيُمَشَّوْنَ" بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدِّ الشِّينِ الْمَفْتُوحَةِ، بِمَعْنَى: يَدْعُونَ إِلَى الْمَشْيِ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْهِ. وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12067أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُشَدَّدَةِ، وَهِيَ بِمَعْنَى يَمْشُونَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أُمَشِّي بِأَعْطَانِ الْمِيَاهِ وَأَبْتَغِي قَلَائِصَ مِنْهَا صَعْبَةٌ وَرَكُوبُ
ثُمْ أَخْبَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ الْعَبِيدِ فِتْنَةً لِبَعْضٍ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ النَّاسِ، مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ، فَالصَّحِيحُ فِتْنَةٌ لِلْمَرِيضِ، وَالْغَنِيُّ فِتْنَةٌ لِلْفَقِيرِ، وَالْفَقِيرُ الشَّاكِرُ فِتْنَةٌ لِلْغَنِيِّ، وَالرَّسُولُ الْمَخْصُوصُ بِكَرَامَةِ النُّبُوَّةِ فِتْنَةٌ لِأَشْرَافِ النَّاسِ الْكُفَّارِ فِي عَصْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَحُكَّامُ الْعَدْلِ، وَقَدْ تَلَا
ابْنُ الْقَاسِمْ هَذِهِ الْآيَةَ حِينَ رَأَى
nindex.php?page=showalam&ids=12321أَشْهَبَ . وَالتَّوْقِيفُ بِـ "أَتَصْبِرُونَ" خَاصٌّ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُحِقِّينَ، فَهُوَ لِأُمَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ جَعَلَ إِمْهَالَ الْكُفَّارِ فِتْنَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيِ اخْتِبَارًا لَهُمْ، ثُمْ وَقَّفَهُمْ: هَلْ تَصْبِرُونَ أَمْ لَا؟ ثُمْ أَعْرَبَ قَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=20وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا عَنِ الْوَعْدِ لِلصَّابِرِينَ وَالْوَعِيدِ لِلْعَاصِينَ.
ثُمْ أَخْبَرَ عَنْ مَقَالَةِ الْكُفَّارِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ الْآيَةُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "يَرْجُونَ"، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12078أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَوْمٌ: مَعْنَاهُ: يَخَافُونَ، وَالشَّاهِدُ لِذَلِكَ قَوْلُ
الْهُذَلِيِّ :
[ ص: 429 ] إِذَا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَهَا وَخَالَفَهَا فِي بَيْتِ نُوبٍ عَوَامِلِ
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الرَّجَاءَ فِي الْآيَةِ وَالْبَيْتِ عَلَى بَابِهِ; لِأَنَّ خَوْفَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مُقْتَرِنٌ أَبَدًا بِرَجَائِهِ، فَإِذَا نُفِيَ الرَّجَاءُ عَنْ أَحَدٍ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ مُكَذِّبٌ بِالْبَعْثِ لِنَفْيِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، وَفِي ذِكْرِ الْكُفَّارِ بِنَفْيِ الرَّجَاءِ تَنْبِيهٌ عَلَى غِبْطَةِ مَا فَاتَهُمْ مِنْ رَجَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا بَيْتُ الشِّعْرِ الْمَذْكُورُ فَمَعْنَاهُ عِنْدِي: لَمْ يَرْجُ دَفْعَهَا وَلَا الِانْفِكَاكَ عَنْهَا، فَهُوَ لِذَلِكَ يُوفِي عَلَى الصَّبْرِ وَيَجِدُّ فِي شَغْلِهِ.
وَلَمَّا تَمَنَّتْ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ رُؤْيَةَ رَبِّهِمْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ عَظَّمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَسَأَلُوا مَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ، وَ "عَتَوْا" مَعْنَاهُ: صَعَبُوا عَلَى الْحَقِّ وَاشْتَدُّوا، وَيُقَالُ: عِتِيٌّ وَعُتُوٌّ، عُتُوٌّ عَلَى الْأَصْلِ ، وَعِتِيٌّ لِاسْتِثْقَالِ الضَّمِّ عَلَى الْوَاوِ فَقُلِبَتْ يَاءً ثُمْ كُسِرَ مَا قَبِلَهَا طَلَبًا لِلتَّنَاسُبِ.