الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        باب

                                                                                                                                                                        الاجتهاد في الماء المشتبه

                                                                                                                                                                        إذا اشتبه إناءان : طاهر ، ونجس ، فثلاثة أوجه . الصحيح : أنه لا يجوز استعمال أحدهما إلا بالاجتهاد ، وظهور علامة تغلب على الظن طهارته ، ونجاسة المتروك . والثاني : يكفي ظن الطهارة بلا علامة . والثالث : يستعمل أحدهما بلا اجتهاد ولا ظن ، وسواء علم نجاسة أحدهما بمشاهدتها ، أو ظنها بإخبار من تقبل روايته من حر ، أو عبد ، أو امرأة . وفي الصبي المميز وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح عند الجمهور لا يقبل قول المميز ، ويقبل الأعمى بلا خلاف . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ويشترط أن يعلم من حال المخبر أنه لا يخبر عن حقيقة ، وسواء أخبره بنجاسة أحدهما على الإبهام ، أم بعينه ، ثم اشتبه ، فيجتهد في الجميع . ولو انصب أحدهما ، أو صبه ، فثلاثة أوجه . أصحها : يجتهد في الباقي . والثاني : لا يجوز الاجتهاد ، بل يتيمم . والثالث : يستعمله بلا اجتهاد عملا بالأصل .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح عند المحققين والأكثرين - أو الكثيرين - : أنه لا يجوز الاجتهاد ، بل يتيمم ويصلي ولا يعيد وإن لم يرقه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 36 ] وللاجتهاد شروط .

                                                                                                                                                                        الأول : أن يكون للعلامة مجال ، كالأواني ، والثياب . أما إذا اختلط بعض محارمه بأجنبية ، أو أجنبيات محصورات ، فلا يجوز نكاح واحدة منهن بالاجتهاد .

                                                                                                                                                                        الثاني : أن يتأيد الاجتهاد باستصحاب الطهارة . فلو اشتبه ماء ببول ، أو بماء ورد ، أو ميتة بمذكاة ، أو لبن بقر بلبن أتان . لم يجتهد على الصحيح ، بل يتيمم في مسألة البول . وفي مسألة ماء الورد يتوضأ بكل واحدة مرة . وقيل : يجتهد . ولا بد من ظهور علامة بلا خلاف ، ولا يجيء فيه الوجه الثاني في أول الباب .

                                                                                                                                                                        الثالث : مختلف فيه ، وهو العجز عن اليقين ، فلو تمكن منه ، جاز الاجتهاد على الأصح ، فيجوز في المشتبهين ، وإن كان معه ثالث طاهر بيقين ، أو كان على شط نهر أو اشتبه ثوبان ومعه ثالث طاهر بيقين ، أو قلتان : طاهرة ، ونجسة ، وأمكن خلطهما بلا تغير ، أو اشتبه ماء مطلق بمستعمل ، أو بماء ورد ، قلنا : يجوز الاجتهاد فيه على الأصح في الجميع .

                                                                                                                                                                        الرابع : أن تظهر علامة ، وقد تقدم أن الصحيح اشتراط العلامة ، فلو لم تظهر ، تيمم بعد إراقة الماءين ، أو صب أحدهما في الآخر ، فلا إعادة عليه . فإن تيمم قبل ذلك ; وجبت إعادة الصلاة . وأما الأعمى ، فيجتهد على الأظهر . فإن لم يغلب على ظنه شيء ، قلد على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : فإن قلنا : لا يقلد ، أو لم يجد من يقلده ، فوجهان . الصحيح أنه يتيمم ، ويصلي ، وتجب الإعادة . والثاني : يخمن ويتوضأ على أكثر ما يقدر عليه ، وهو ظاهر نص الشافعي - رضي الله عنه - ، واختاره القاضي أبو الطيب قال : ويعيد . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية