الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 367 ] ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم ، وللفارس ثلاثة أسهم : سهم له وسهمان لفرسه إلا أن يكون فرسه هجينا ، أو برذونا ، فيكون له سهم ، وعنه : له سهمان كالعربي ولا يسهم لأكثر من فرسين ، ولا يسهم لغير الخيل ، وقال الخرقي : من غزا على بعير لا يقدر على غيره قسم له ولبعيره سهمان ومن دخل دار الحرب راجلا ، ثم ملك فرسا أو استعاره ، أو استأجره وشهد به الوقعة ، فله سهم فارس . وإن دخل فارسا ، فنفق فرسه ، أو شرد حتى تقضى الحرب ، فله سهم راجل ، ومن غصب فرسا فقاتل عليه ، فسهم الفرس لمالكه وإذا قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، أو فضل بعض الغانمين على بعض ، لم يجز في إحدى الروايتين ، ويجوز في الأخرى .

                                                                                                                          غزا على فرس ، فلا شيء له ، ولا لفرسه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ثم يقسم باقي الغنيمة ) لأنه يقال : لما جعل لنفسه الخمس فهم منه أن أربعة الأخماس للغانمين ؛ لأنه أضافها إليهم كقوله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث فهم منه أن الباقي للأب ، وينبغي أن تقدم أربعة الأخماس على قسم الخمس ، لأنهم حاضروه ، ولأن رجوع الغانمين إلى أوطانهم يقف على الغنيمة ، وأهل الخمس في أوطانهم . ( للراجل سهم ) بغير خلاف ، ولأنه لا يحتاج إلى ما يحتاج إليه الفارس من الكلفة ( وللفارس ثلاثة أسهم : سهم له ، وسهمان لفرسه ) في قول جماعة من العلماء لما روى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم : سهمان لفرسه ، وسهم له . متفق عليه . وقال خالد الحذاء لا يختلف فيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما ، وللراجل سهما ( إلا أن تكون فرسه هجينا ) وهو ما أبوه عربي وأمه غير عربية ، وعكسه المقرف ( أو برذونا ) ويسمى العتيق . قاله في " الفروع " وهو ما أبواه نبطيان عكس العربي ( فيكون له سهم ) قال الخلال : تواترت الرواية عن أبي عبد الله بذلك ، واختاره الأكثر ، لما روى مكحول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الفرس نفل سهمين ، وأعطى للهجين سهما . رواه سعيد ، وأبو داود في " المراسيل " وروي موصولا عن مكحول عن زياد بن جارية عن حبيب بن سلمة مرفوعا . قال عبد الحق : والمرسل أصح ، ولأن نفع العراب وأثره في الحرب أفضل ، فيكون سهمه أرجح كتفاضل من يرضخ له . ( وعنه : له سهمان كالعربي ) اختاره الخلال ؛ لأنه - عليه السلام - أسهم للفرس سهمين ، ولصاحبه سهما ، وهو عام في كل فرس ، ولأنه حيوان ذو سهم ، فاستوى فيه العربي وغيره كالآدمي ، وعنه : إن أدركت إدراك العراب أسهم لها كالعربي ، [ ص: 368 ] وإلا فلا ، اختاره الآجري ، وعنه : لا يسهم لها ، حكاها القاضي ، وقاله مالك بن عبد الله الخثعمي ؛ لأنه لا عمل لها على العراب ، أشبهت البغال ، والأول أصح ؛ لأنها - وإن دخلت في مسمى الخيل - فهي تتفاضل في أنفسها ، فكذا في سهمانها ، وقوله : أسهم للفرس سهمين . قضية عين لا عموم لها ، مع أنه يحتمل أنه كان ليس فيها برذون ، وهو الظاهر لقلتها عند العرب .

                                                                                                                          ( ولا يسهم لأكثر من فرسين ) نص عليه ، لما روى الأوزاعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسهم للخيل ، وكان لا يسهم للرجل فوق فرسين ، وإن كان معه عشرة أفراس . ولأن به حاجة إلى الثاني ، بخلاف الثالث ، فإنه مستغن عنه . وفي " التبصرة " يسهم لثلاثة ( ولا يسهم لغير الخيل ) من البغال والفيل ونحوها ، لأن غير الخيل لا يلحق بها في التأثير في الحرب ، ولا تصلح للكر والفر ، فلم يلحق بها في السهم ( وقال الخرقي : من غزا على بعير لا يقدر على غيره ، قسم له ولبعيره سهمان ) نقله الميموني ، واختاره ابن البنا . وظاهره أنه لا يسهم للبعير مع إمكان الغزو على فرس . ولكن نص في رواية منها أنه يسهم للبعير مطلقا ، واختاره القاضي ، وأكثر أصحابه لقوله - تعالى - فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب . ولأنه حيوان سابق عليه بعوض ، فجاز أن يسهم له ، كالخيل . فعلى هذا : يسهم له سهم واحد ، وهو قول الجمهور ؛ لأنه لا يساوي الخيل قطعا فاقتضى أن ينقص عنها . وظاهر كلام بعضهم أنه يسهم له كفرس . وبه قطع في " الأحكام السلطانية " . وشرطه أن يكون مما يمكن القتال عليه ، فإن كان ثقيلا لا يصلح إلا للحمل ، لم يستحق شيئا ، وفي " الأحكام السلطانية " للفيل سهم الهجين على [ ص: 369 ] اختلاف الرواية في قدره . وغلطه الزركشي . والصحيح الأول ، وحكاه ابن المنذر إجماعا ؛ لأنه لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم لغير الخيل ، مع أنه كان في غزوة بدر سبعون بعيرا ، ولم تخل غزوة منها ، ولو أسهم لها لنقل .

                                                                                                                          فرع : إذا غزا على فرس لهما هذا عقبة ، وهذا عقبة ، والسهم لهما ، فلا بأس ، نص عليه ، ولو غزا على فرس حبيس ، استحق سهمه ( ومن دخل دار الحرب راجلا ، ثم ملك فرسا ، أو استعاره ، أو استأجره ، وشهد به الوقعة ، فله سهم فارس ) لأن العبرة باستحقاق سهم الفرس أن يشهد الوقعة ، لا حالة دخول دار الحرب ، ولأن الفرس حيوان يسهم له ، فاعتبر وجوده حالة القتال كالآدمي ، ولقول عمر . وظاهره أنه لا يشترط ملك الفرس ؛ بل يكفي في ذلك ملك منفعتها ؛ لأن السهم لنفع الفرس لا لذاتها بدليل أنه لا يسهم للضعيف والزمن ونحوه . وسهم الفرس في الإجارة للمستأجر بغير خلاف نعلمه ؛ لأنه مستحق لنفعه استحقاقا لازما أشبه المالك ، وكذا هو للمستعير ، وعنه : هو لمالكه ؛ لأنه من نمائه أشبه ولده فإن كان المستأجر والمستعير ممن لا يسهم له ، إما لكونه لا شيء له كالمخذل أو ممن يرضخ له كالصبي فحكمه حكم فرسه ذكره في " المغني " و " الشرح " .

                                                                                                                          ( وإن دخل فارسا فنفق فرسه ) أي : مات ، ولا يقال ذلك لغيرها . ( أو شرد حتى تقضى الحرب ، فله سهم راجل ) كما ذكرنا ( ومن غصب فرسا فقاتل عليه فسهم الفرس لمالكه ) نص عليه ؛ لأن استحقاق سهم الفرس مرتب على نفعه ، وهو لمالكه ، فإن كان الغاصب ممن لا سهم له ، إما مطلقا كالمرجف أو يرضخ له [ ص: 370 ] كالعبد احتمل أن يكون حكم الفرس حكمه ؛ لأن الفرس يتبع الفارس في حكمه فيتبعه إذا كان مغصوبا ، واحتمل أن يكون سهم الفرس لمالكه ؛ لأن الجناية من راكبه فيختص المنع به . ذكره في " الشرح " .

                                                                                                                          ( وإذا قال الإمام : من أخذ شيئا فهو له ، أو فضل بعض الغانمين على بعض ؛ لم يجز في إحدى الروايتين ) . جزم به في " الوجيز " وصححه ابن المنجا في الأولى ؛ لأنه - عليه السلام - والخلفاء من بعده كانوا يقسمون الغنائم ، ولأن ذلك يفضي إلى اشتغالهم بالنهب عن القتال وظفر العدو بهم ، ولأن الغزاة اشتركوا في الغنيمة على سبيل التسوية ، فيجب كسائر الشركاء ؛ وحينئذ لا يستحقه من أخذه . ( ويجوز في الأخرى ) أما أولا ، فلقوله - عليه السلام - في بدر : من أخذ شيئا فهو له ورد بأن قضية بدر لما اختلفوا فيها نسخت بقوله - تعالى - يسألونك عن الأنفال الآية ، وأما ثانيا - وهي الأصح - : إذا كان التفضيل لمعنى فيه ، فلأنه يجوز للإمام أن ينفل ويعطي السلب ، فجاز له التفضيل قياسا عليهما .




                                                                                                                          الخدمات العلمية