الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 340 ] ويجوز له أن يبذل جعلا لمن يدله على طريق أو قلعة أو ماء ، ويجب أن يكون معلوما ، إلا أن يكون من مال الكفار ؛ فيجوز أن يكون مجهولا ، فإن جعل له جارية منهم ، فإن ماتت قبل الفتح ، فلا شيء له ، وإن أسلمت قبل الفتح ، فله قيمتها ، وإن أسلمت بعد الفتح أو قبله ، سلمت إليه إلا أن يكون كافرا ، فله قيمتها ، وإن فتحت صلحا - ولم يشترطوا الجارية - فله قيمتها ؛ فإن أبى إلا الجارية ، وامتنعوا من بذلها ، فسخ الصلح ، ويحتمل أن لا يكون له إلا قيمتها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويجوز له ) أي : للإمام أو نائبه ( أن يبذل جعلا لمن يدله على طريق أو قلعة ) يفتحها ( أو ماء ) في مفازة ، أو مال يأخذه ، أو ثغرة يدخل منها ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر استأجرا في الهجرة من يدلهم على الطريق ، ولأنه من المصالح أشبه أجرة الوكيل ، ويستحق الجعل بفعل ما جعل فيه ، سواء كان مسلما أو كافرا من الجيش أو غيره بشرط أن لا يجاوز ثلث الغنيمة بعد الخمس ، نص عليه ، وله إعطاء دال ، ولو بغير شرط .

                                                                                                                          ( ويجب أن يكون معلوما ) إذا كان من مال المسلمين ؛ لأنه جعل ، فوجب أن يكون معلوما ، كالجعل في المسابقة ، ورد الضالة . ( إلا أن يكون من مال الكفار ، فيجوز أن يكون مجهولا ) لأنه - صلى الله عليه وسلم - جعل للسرية الثلث والربع مما غنموا ، وسلب المقتول ، وهو مجهول ؛ لأن الغنيمة كلها مجهولة ، ولأنه مما تدعو إليه الحاجة ( فإن جعل له جارية منهم ) نحو أن يشترط بنت فلان من أهل القلعة ، لم يستحق شيئا ، حتى تفتح القلعة فإن فتحت عنوة سلمت إليه ( فإن ماتت قبل الفتح ) أو بعده ( فلا شيء له ) لأن حقه متعلق بعين ، فيسقط بتلفه من غير تفريط كالوديعة . ( وإن أسلمت قبل الفتح ) وهي حرة ( فله قيمتها ) لأنها عصمت نفسها بإسلامها ، فتعذر دفعها إليه ( وإن أسلمت بعد الفتح أو قبله ) وهي أمة ( سلمت إليه ) إذا كان مسلما ؛ لأنه أمكن الوفاء بما شرط ، فكان واجبا لأن الإسلام بعد الأسر ، فكانت رقيقة ( إلا أن يكون ) المشترط ( كافرا فله قيمتها ) لأن الكافر لا يجوز أن يبتدئ الملك على مسلم ، ثم إن أسلم ، ففي أخذها احتمالان ( فإن فتحت صلحا ولم يشترطوا الجارية فله قيمتها ) أي : إن رضي بها ؛ لأن رد عينها متعذر ، لكونها دخلت تحت الصلح ، وحينئذ تعين رد قيمتها [ ص: 341 ] ؛ لأنها بدلها . وظاهره أنه لو شرط في الصلح تسليم عينها لزم لما فيه من الوفاء بالشرط ( فإن أبى إلا الجارية وامتنعوا من بذلها ) ( فسخ الصلح ) لأنه قد تعذر إمضاؤه ؛ لأن حق صاحب الجعل سابق ، ولا يمكن الجمع بينهما ، فعلى هذا لصاحب القلعة أن يحصلها مثل ما كانت من غير زيادة . وظاهر ما نقله ابن هانئ أنها له لسبق حقه ، ولرب الحصن القيمة ( ويحتمل أن لا يكون له إلا قيمتها ) ويمضي الصلح . حكاه في " المحرر " قولا وصححه لأنه تعذر تسليمها مع بقائها ، فبقيت القيمة ، كما لو أسلمت قبل الفتح ، وإن بذلوها مجانا أو بالقيمة ، لزم أخذها ، ودفعها إليه ، قاله الأصحاب ؛ لأنه أمكن إيصال حقه إليه من غير ضرورة ، وقال المجد : وعندي يختص ذلك بالأمة ، فأما حرة الأصل ، فلا يحل أخذها ودفعها إليه بجعل ؛ لأن الأمة مال ، ويأخذها كما لو شرطها دابة أو متاعا فأما حرة الأصل ، فهي غير مملوكة ؛ لأن الصلح جرى عليها فلا تملك كالذمية ، ولم يجز تسليمها كالمسلمة ، وفيه نظر ؛ لأن الجارية لولا عقد الصلح جرى عليها ، لكانت أمة ، وجاز تسليمها له فإذا رضي أهل الحصن بإخراجها من الصلح ، وتسليمها إليه فتكون غنيمة للمسلمين ، وتصير رقيقة .

                                                                                                                          فرع : حيث أوجبنا القيمة ، ولم يحصل شيء من الغنيمة ، أعطي من بيت المال ؛ لأنه من المصالح .




                                                                                                                          الخدمات العلمية