الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1697 ) مسألة : ( قال : فإذا صارت خمسا وعشرين ، ففيها بنت مخاض ، إلى خمس وثلاثين ) ، فإن لم يكن فيها بنت مخاض وابن لبون ذكر ، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ، إلى ستين ، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ، فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة .

                                                                                                                                            وهذا كله مجمع عليه ، والخبر الذي رويناه متناول له . وابنة المخاض : التي لها سنة وقد دخلت في الثانية ، سميت بذلك لأن أمها قد حملت غيرها ، والماخض الحامل ، وليس كون أمها ماخضا شرطا فيها ، وإنما ذكر تعريفا لها بغالب حالها ، كتعريفه الربيبة بالحجر ، وكذلك بنت لبون وبنت المخاض أدنى سن يوجد في الزكاة ، ولا تجب إلا في خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين خاصة .

                                                                                                                                            وبنت اللبون : التي تمت لها سنتان ودخلت في الثالثة ، سميت بذلك لأن أمها قد وضعت حملها ولها لبن .

                                                                                                                                            والحقة : التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة ; لأنها قد استحقت أن يطرقها الفحل ، ولهذا قال : طروقة الفحل . واستحقت أن يحمل عليها وتركب . والجذعة : التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة ، وقيل لها ذلك لأنها تجذع إذا سقطت سنها ، وهي أعلى سن تجب في الزكاة ، ولا تجب إلا في إحدى وستين إلى خمس وسبعين .

                                                                                                                                            وإن رضي رب المال أن يخرج مكانها ثنية جاز ، وهي التي لها خمس سنين ودخلت في السادسة ، وسميت ثنية ، لأنها قد ألقت ثنيتيها . وهذا الذي ذكرناه في الأسنان ذكره أبو عبيد وحكاه عن الأصمعي ، وأبي زيد الأنصاري ، وأبي زياد الكلابي وغيرهم . وقول الخرقي : " فإن لم يكن ابنة مخاض " أراد إن لم يكن في إبله ابنة مخاض أجزأه ابن لبون ، ولا يجزئه مع وجود ابنة مخاض ; لقوله عليه السلام : { فإن لم يكن فيها ابنة مخاض فابن لبون ذكر } .

                                                                                                                                            في الحديث الذي رويناه شرط في إخراجه عدمها . فإن اشتراها وأخرجها جاز ، وإن أراد إخراج ابن لبون بعد شرائها لم تجز ; لأنه صار في إبله بنت مخاض ، فإن لم يكن في إبله ابن لبون ، وأراد الشراء ، لزمه شراء بنت مخاض . وهذا قول مالك . وقال الشافعي : يجزئه شراء ابن لبون ; لظاهر الخبر وعمومه .

                                                                                                                                            ولنا ، أنهما استويا في العدم ، فلزمته ابنة مخاض ، كما لو استويا في الوجود ، والحديث محمول على وجوده ; لأن [ ص: 233 ] ذلك للرفق به ، إغناء له عن الشراء ، ومع عدمه لا يستغني عن الشراء ، فكان شراء الأصل أولى . على أن في بعض ألفاظ الحديث : " فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها ، وعنده ابن لبون ، فإنه يقبل منه ، وليس معه شيء " .

                                                                                                                                            فشرط في قبوله وجوده وعدمها ، وهذا في حديث أبي بكر ، وفي بعض الألفاظ : " ومن بلغت عنده صدقة بنت مخاض ، وليس عنده إلا ابن لبون " . وهذا يفسد بتعين حمل المطلق عليه ، وإن لم يجد إلا ابنة مخاض معينة ، فله الانتقال إلى ابن لبون ; لقوله في الخبر : " فإن لم يكن عنده بنت مخاض ، على وجهها " ولأن وجودها كعدمها ، لكونها لا يجوز إخراجها ، فأشبه الذي لا يجد إلا ما لا يجوز الوضوء به في انتقاله إلى التيمم .

                                                                                                                                            وإن وجد ابنة مخاض أعلى من صفة الواجب ، لم يجزه ابن لبون ; لوجود بنت مخاض على وجهها ، ويخير بين إخراجها وبين شراء بنت مخاض على صفة الواجب ، ولا يخير بعض الذكورية بزيادة سن في غير هذا الموضع ، ولا يجزئه أن يخرج عن ابن لبون حقا ، ولا عن الحقة جذعا ، لعدمهما ولا وجودهما .

                                                                                                                                            وقال القاضي ، وابن عقيل : يجوز ذلك مع عدمهما ; لأنهما أعلى وأفضل ، فيثبت الحكم فيهما بطريق التنبيه . ولنا ، أنه لا نص فيهما ، ولا يصح قياسهما على ابن لبون مكان بنت مخاض ; لأن زيادة سن ابن لبون على بنت مخاض يمتنع بها من صغار السباع ، ويرعى الشجر بنفسه ، ويرد الماء ، ولا يوجد هذا في الحق مع بنت لبون ، لأنهما يشتركان في هذا ، فلم يبق إلا مجرد السن فلم يقابل إلا بتوجيه .

                                                                                                                                            وقولهما : إنه يدل على ثبوت الحكم فيهما بطريق التنبيه . قلنا : بل يدل على انتفاء الحكم فيهما بدليل خطابه ، فإن تخصيصه بالذكر دونهما دليل على اختصاصه بالحكم دونهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية