الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[فصل في ذكر قارون وسلبه كل مكنون ومخزون]

قال ابن جريج: كان قارون ابن عم موسى أخي أبيه ، فهو قارون بن يصهر بن قاهث ، وموسى بن عمران بن قاهث .

[ ص: 366 ]

وكذلك قال إبراهيم النخعي: كان ابن عمه .

وقال ابن إسحاق: قارون عم موسى .

قال قتادة: كان يسمى المنور من حسن صورته ، ولكنه نافق كما نافق السامري فأهلكه البغي .

وروى الأعمش ، عن خيثمة ، قال: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود ، كل مفتاح مثل الإصبع ، كل مفتاح على خزانة على حدة ، فإذا ركب حملت المفاتيح على ستين بغلا .

واختلفوا في قوله تعالى: فبغى عليهم [28: 76] .

فقال ابن عباس: جعل لبغية جعلا على أن تقذف موسى [بنفسها ففعلت فاستحلفها موسى] على ما قالت ، فأخبرته الحال .

وقال الضحاك: بغى بالكفر ، وقال قتادة: بالكبر .

وقال عطاء [الخراساني]: زاد في طول ثيابه شبرا .

فوعظه قومه فكان جوابه إنما أوتيته على علم عندي [28: 78] قال قتادة: على خير عندي ، وقال غيره: لولا رضي الله عني ما أعطاني هذا ، فقال تعالى: أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا [28: 78] للأموال .

والمعنى: لو كان الله إنما يعطي الأموال من يعطيه لرضاه عنه وفضله عنده لم يهلك أرباب الأموال الكثيرة .

[ ص: 367 ]

فوعظه [قومه] فلم تزده العظة إلا بغيا حتى خرج على قومه في زينته ، وكان راكبا برذونا أبيض مسرجا بسرج الأرجوان ، قد لبس ثيابا معصفرة ، وحمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته وزينته ، وأربعة آلاف من أصحابه .

وقيل: حمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته ، وتسعين ألفا [من أصحابه] .

قال مجاهد: فخرجوا على براذين بيض عليها سروج الأرجوان عليهم المعصفر .

قال ابن عباس: لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى فصالحه على كل ألف دينار دينارا ، وعن كل ألف درهم درهما ، وعن كل ألف شاة شاة ، وعن كل ألف شيء شيئا .

ثم أتى إلى منزله فحسبه فوجده كثيرا ، فجمع بني إسرائيل ، وقال: إن موسى [قد أمركم] بكل شيء فأطعتموه ، وهو الآن يريد أن يأخذ من أموالكم ، فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت ، فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغي فتجعلوا لها جعلا فتقذفه بنفسها .

ففعلوا ثم أتاه قارون ، فقال: إن قومك قد اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهم ، فخرج فقال: يا بني إسرائيل ، من سرق قطعنا يده ، ومن افترى جلدناه ثمانين ، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة ، فإن كانت له امرأة جلدناه حتى يموت ، فقال له قارون: وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا ، قال: فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة ، قال: ادعوها ، فلما جاءت قال موسى: يا فلانة أنا فعلت ما يقول هؤلاء؟ قالت: لا ، كذبوا ، ولكن جعلوا إلي جعلا على أني قد أقذفك بنفسي ، فسجد فأوحى الله إليه: مر الأرض بما شئت ، قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم هكذا . روي عن ابن عباس أنه قال: فأخذتهم ، وقال غيره: أخذت قارون وأصحابه .

[ ص: 368 ]

وروى علي بن زيد بن جدعان ، عن عبد الله بن الحارث ، قال: جاء موسى إلى قارون فدخل عليه ، فقال: يا موسى ارحمني ، فقال: يا أرض خذيهم ، فاضطربت داره وساخت ، [وخسف] بقارون وأصحابه .

قال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قدر قامة ، [وأنه يتجلجل فيها إلى يوم القيامة] .

التالي السابق


الخدمات العلمية