الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 1847 ) فصل : وصفة الخرص تختلف باختلاف الثمرة ، فإن كان نوعا واحدا ، فإنه يطيف بكل نخلة أو شجرة ، وينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا ، ثم يقدر ما يجيء منها تمرا ، وإن كان أنواعا خرص كل نوع على حدته ; لأن الأنواع تختلف ، فمنها ما يكثر رطبه ويقل تمره ، ومنها ما يكون بالعكس ، وهكذا العنب ، ولأنه يحتاج إلى معرفة قدر كل نوع ، حتى يخرج عشره ، فإذا خرص على المالك ، وعرفه قدر الزكاة ، خيره بين أن يضمن قدر الزكاة ، ويتصرف فيها بما شاء من أكل وغيره ، وبين حفظها إلى وقت الجداد والجفاف ، فإن اختار حفظها ثم أتلفها أو تلفت بتفريطه ، فعليه ضمان نصيب الفقراء بالخرص ، وإن أتلفها أجنبي ، فعليه قيمة ما أتلف .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن رب المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب ، بخلاف الأجنبي ، ولهذا قلنا في من أتلف أضحيته المتعينة : عليه أضحية مكانها . وإن أتلفها أجنبي فعليه قيمتها . وإن تلفت بجائحة من السماء ، سقط عنهم الخرص . نص عليه أحمد ; لأنها تلفت قبل استقرار زكاتها ، وإن ادعى تلفها بغير تفريطه ، فالقول قوله بغير يمين ، كما تقدم ، وإن حفظها إلى وقت الإخراج ، فعليه زكاة الموجود لا غير ، سواء اختار الضمان ، أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر مما خرصه الخارص أو أقل .

                                                                                                                                            وبهذا قال الشافعي . وقال مالك : يلزمه ما قال الخارص ، زاد أو نقص ، إذا كانت الزكاة متقاربة ; لأن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي ، بدليل وجوب ما قال عند تلف المال . ولنا ، أن الزكاة أمانة ، فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة ، ولا نسلم أن الحكم انتقل إلى ما قال الساعي ، وإنما يعمل بقوله إذا تصرف في الثمرة ، ولم يعلم قدرها ; لأن الظاهر إصابته . قال أحمد : إذا خرص على الرجل ، فإذا فيه فضل كثير ، مثل الضعف ، تصدق بالفضل ; لأنه يخرص بالسوية . وهذه الرواية تدل على مثل قول مالك . وقال : إذا تجافى السلطان عن شيء من العشر ، يخرجه فيؤديه .

                                                                                                                                            وقال : إذا حط من الخرص عن الأرض ، يتصدق بقدر ما نقصوه من الخرص . وإن أخذ منهم أكثر من الواجب عليهم ، فقال أحمد : يحتسب لهم من الزكاة لسنة [ ص: 303 ] أخرى ونقل عنه أبو داود لا يحتسب بالزيادة لأن هذا غاصب . وقال أبو بكر : وبهذا أقول . ويحتمل أن يجمع بين الروايتين ، فيحتسب به إذا نوى صاحبه به التعجيل ، ولا يحتسب به إذا لم ينو ذلك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية