الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " يا أيها الرسل " قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين : يعني بالرسل هاهنا : محمدا صلى الله عليه وسلم وحده ، وهو مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجميع ، ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة والزجاج ، والمراد بالطيبات : الحلال . قال عمرو بن شرحبيل : كان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه . [ ص: 478 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " وإن هذه أمتكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( وأن ) بالفتح وتشديد النون . وافق ابن عامر في فتح الألف ، لكنه سكن النون . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : ( وإن ) بكسر الألف وتشديد النون . قال الفراء : من فتح عطف على قوله : " إني بما تعملون عليم " ، وبأن هذه أمتكم ، فموضعها خفص ; لأنها مردودة على " ما " ، وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر ، كأنك قلت : واعلموا هذا ، ومن كسر استأنف . قال أبو علي الفارسي : وأما ابن عامر فإنه خفف النون المشددة ، وإذا خففت تعلق بها ما يتعلق بالمشددة . وقد شرحنا معنى الآية والتي بعدها في ( الأنبياء : 92 ) إلى قوله : " زبرا " وقرأ ابن عباس وأبو عمران الجوني : ( زبرا ) برفع الزاي وفتح الباء . وقرأ أبو الجوزاء وابن السميفع : ( زبرا ) برفع الزاي وإسكان الباء . قال الزجاج : من قرأ : ( زبرا ) بضم الباء ، فتأويله : جعلوا دينهم كتبا مختلفة ، جمع زبور . ومن قرأ : ( زبرا ) بفتح الباء ، أراد : قطعا .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون " ; أي : بما عندهم من الدين الذي ابتدعوه معجبون ، يرون أنهم على الحق .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي المشار إليهم قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنهم أهل الكتاب ، قاله مجاهد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنهم أهل الكتاب ومشركو العرب ، قاله ابن السائب . [ ص: 479 ]

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " فذرهم في غمرتهم " وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب : ( في غمراتهم ) على الجمع . قال الزجاج : في عمايتهم وحيرتهم . " حتى حين " ; أي : إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب . قال مقاتل : يعني : كفار مكة .

                                                                                                                                                                                                                                      فصل

                                                                                                                                                                                                                                      وهل هذه الآية منسوخة أم لا ؟ فيها قولان :

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أنها منسوخة بآية السيف . والثاني : أن معناها التهديد فهي محكمة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به " وقرأ عكرمة وأبو الجوزاء : ( يمدهم ) بالياء المرفوعة وكسر الميم . وقرأ أبو عمران الجوني : ( نمدهم ) بنون مفتوحة ورفع الميم . قال الزجاج : المعنى : أيحسبون أن الذي نمدهم به " من مال وبنين " مجازاة لهم ؟ إنما هو استدراج . " نسارع لهم في الخيرات " ; أي : نسارع لهم به في الخيرات . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وأيوب السختياني : ( يسارع ) بياء مرفوعة وكسر الراء . وقرأ معاذ القارئ وأبو المتوكل مثله ، إلا أنهما فتحا الراء . وقرأ أبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( يسرع ) بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : " بل لا يشعرون " ; أي : لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية