الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين

                                                                                                                                                                                                " أن" هي المفسرة ؛ لأن النداء فيه معنى القول . والمعنى : قيل له بورك . فإن قلت : هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة وتقديره : نودي بأنه بورك . والضمير ضمير الشأن ؟ قلت : لا ، لأنه لا بد من "قد " . فإن قلت : فعلى إضمارها ؟ قلت : لا يصح ؛ لأنها علامة لا تحذف . ومعنى بورك من في النار ومن حولها بورك من في مكان النار ، ومن حول مكانها . ومكانها : البقعة التي حصلت فيها وهي البقعة المباركة المذكورة في قوله تعالى : نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة [القصص : 30 ] وتدل عليه قراءة أبي . "تباركت الأرض ومن حولها " . وعنه : "بوركت النار " ؛ والذي بوركت له البقعة ، وبورك من فيها وحواليها حدوث أمر ديني فيها ؛ وهو تكليم الله موسى واستنباؤه له وإظهار المعجزات عليه ؛ ورب خير يتجدد في بعض البقاع ، فينشر الله بركة ذلك الخير في أقاصيها ، ويبث آثار يمنه في أباعدها ، فكيف بمثل ذلك الأمر العظيم الذي جرى في تلك البقعة . وقيل : المراد بالمبارك فيهم : موسى والملائكة الحاضرون . والظاهر أنه عام في كل من كان في تلك الأرض وفي تلك الوادي وحواليهما من أرض الشام ، ولقد جعل الله أرض الشام بالبركات موسومة في قوله : ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين وحقت أن تكون كذلك ، فهي مبعث الأنبياء صلوات الله عليهم ومهبط الوحي إليهم وكفاتهم أحياء وأمواتا . فإن قلت : فما معنى ابتداء خطاب الله موسى بذلك عند مجيئه ؟ قلت : هي بشارة له بأنه قد قضى بأمر عظيم تنتشر منه في أرض الشام كلها البركة وسبحان الله رب العالمين تعجيب لموسى عليه السلام من ذلك ، وإيذان بأن ذلك الأمر مريده ومكونه رب العالمين ، [ ص: 433 ] تنبيها على أن الكائن من جلائل الأمور وعظائم الشؤون .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية