الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون

                                                                                                                                                                                                فإن قلت : لم رفع اسم الله ، والله يتعالى أن يكون ممن في السماوات والأرض ؟ قلت : جاء على لغة بني تميم ، حيث يقولون : ما في الدار أحد إلا حمار ، يريدون : ما فيها إلا حمار ، كأن أحدا لم يذكر ؛ ومنه قوله [من الطويل ] :


                                                                                                                                                                                                عشية ما تغني الرماح مكانها . . . ولا النبل إلا المشرفي المصمم



                                                                                                                                                                                                وقولهم : ما أتاني زيد إلا عمرو ، وما أعانه إخوانكم إلا إخوانه . فإن قلت : ما الداعي إلى اختيار المذهب التميمي على الحجازي ؟ قلت : دعت إليه نكتة سرية . حيث أخرج [ ص: 467 ] المستثنى مخرج قوله : إلا اليعافير ، بعد قوله : ليس بها أنيس ، ليؤول المعنى إلى قولك : إن كان الله ممن في السماوات والأرض ، فهم يعلمون الغيب ، يعني : أن علمهم الغيب في استحالته كاستحالة أن يكون الله منهم ، كما أن معنى ما في البيت : إن كانت اليعافير أنيسا ففيها أنيس ، بتا للقول بخلوها عن الأنيس . فإن قلت : هلا زعمت أن الله ممن في السماوات والأرض ، كما يقول المتكلمون : الله في كل مكان ، على معنى أن علمه في الأماكن كلها ، فكأن ذاته فيها حتى لا تحمله على مذهب بني تميم ؟ قلت : يأبى ذلك أن كونه في السماوات والأرض مجاز ، وكونهم فيهن حقيقة ، وإرادة المتكلم بعبارة واحدة حقيقة ومجازا غير صحيحة ، على أن قولك : من في هذا السماوات والأرض ، وجمعك بينه وبينهم في إطلاق اسم واحد : فيه إيهام تسوية ، والإيهامات مزالة عنه وعن صفاته تعالى . ألا ترى كيف قال صلى الله عليه وسلم لمن قال : "ومن يعصهما فقد غوى : "بئس خطيب القوم أنت" وعن عائشة -رضي الله عنها - : من زعم أنه يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية ، والله تعالى يقول : قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله . وعن بعضهم : أخفى غيبه عن الخلق ولم يطلع عليه أحدا ؛ لئلا يأمن أحد من عبيده مكره . وقيل : نزلت في المشركين حين سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن وقت الساعة "أيان" بمعنى متى ، ولو سمي به : لكان فعالا ، من آن يئين ولا نصرف . وقرئ : "إيان " ، بكسر الهمزة .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية