الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون

                                                                                                                                                                                                                                      والله جعل لكم من أنفسكم [ ص: 128 ] أي: من جنسكم أزواجا لتأنسوا بها، وتقيموا بذلك جميع مصالحكم، ويكون أولادكم أمثالكم. وقيل: هو خلق حواء من ضلع آدم عليه الصلاة والسلام وجعل لكم من أزواجكم وضع الظاهر موضع المضمر للإيذان بأن المراد جعل لكل منكم من زوجه لا من زوج غيره. بنين وبأن نتيجة الأزواج هو: التوالد وحفدة جمع حافد، وهو الذي يسرع في الخدمة والطاعة. ومنه قول القانت: وإليك نسعى ونحفد، أي: جعل لكم خدما يسرعون في خدمتكم، وطاعتكم. فقيل: المراد بهم: أولاد الأولاد. وقيل: البنات عبر عنهن بذلك إيذانا بوجه المنة، فإنهن يخدمن البيوت أتم خدمة. وقيل: أولاد المرأة من الزوج الأول. وقيل: البنون، والعطف لاختلاف الوصفين. وقيل: الأختان على البنات. وتأخير المنصوب في الموضعين عن المجرور لما مر من التشويق، وتقديم المجرور باللام على المجرور بـ "من" للإيذان من أول الأمر بعود منفعة الجعل إليهم إمدادا للتشويق، وتقوية له، أي: جعل لمصلحتكم مما يناسبكم أزواجا، وجعل لمنفعتكم من جهة مناسبة لكم بنين، وحفدة. ورزقكم من الطيبات من اللذائذ، أو من الحلالات. و "من" للتبعيض إذ المرزوق في الدنيا أنموذج لما في الآخرة أفبالباطل يؤمنون وهو أن الأصنام تنفعهم، وأن البحائر ونحوها حرام. و "الفاء" في المعنى داخلة على الفعل، وهي للعطف على مقدر، أي: أيكفرون بالله الذي شأنه هذا، فيؤمنون بالباطل، أو أبعد تحقق ما ذكر من نعم الله تعالى بالباطل يؤمنون دون الله سبحانه؟! وبنعمة الله تعالى الفائضة عليهم مما ذكر ومما لا يحيط به دائرة البيان هم يكفرون حيث يضيفونها إلى الأصنام، وتقديم الصلة على الفعل للاهتمام، أو لإيهام الاختصاص مبالغة، أو لرعاية الفواصل، والالتفات إلى الغيبة للإيذان باستيجاب حالهم للإعراض عنهم، وصرف الخطاب إلى غيرهم من السامعين تعجيبا لهم مما فعلوه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية